مقال

الدكروري يكتب عن ولادة الإنسان ومصارعة الشيطان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ولادة الإنسان ومصارعة الشيطان

بقلم / محمـــد الدكـــروي

 

إنه منذ لحظة ولادة الإنسان ويبدأ في مصارعة الشيطان والأهواء والفتن، وتعيش في هذه الحياة ما قدر الله لك أن تعيش تصارع الشيطان وتصارع النفس الأمارة بالسوء، وتصارى الأهواء، وتظل في هذه الحياة ما قدر الله لك فيها، ثم تأتي اللحظة التي قدر الله عز وجل لك فيها أن تترك عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، أي إلى عالم الفناء، وإلى عالم القبور، فيأتي الموت في اللحظة التي حددها الله تبارك وتعالى لك، فينقلك الموت بعظمة الله عز وجل من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والترابن فإن هذه هي المرحلة الثانية مرحلة الموت، وهو يوم أن تنتقل بعد مولدك وبعد حياتك وبعد عيشك.

 

إلى عالم يسمى بعالم البرزخ، إلى عالم الفناء، إلى عالم الحق عند الله الحق سبحانه وتعالي، فانظر حينما تأتي ساعة الصفر ويقترب الأجل، وتتلاشى اللحظات الأخيرة من عمرك، وتنام على فراش الموت، وحولك أولادك وأحبابك يبكون، والأطباء من حولك يحاولون، بذلوا لك كل رقية، وقدموا لك كل دواء، وقدموا لك كل علاج، فأنت من أنت؟ أنت صاحب الأفعال، وأنت صاحب الجاه، وأنت صاحب السلطان، وأنت صاحب المنصب، وأنت الغني، بذل الأطباء لك كل رقية، وقدموا لك دواء، وبذلوا لك كل علاج، ولكن انظر إليه قد اصفر وجهه، وشحب لونه، وتصبب جبينه بالعرق، وتجعد جلده، وبدأ يحس بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، ويريد أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد.

 

فيحس أن الشفة كالجبل لا يزحزح، وينظر إلى من حوله من أحبابه، إلى أهله، إلى أقاربه، فيراهم تارة يبتعدون، وتارة يقتربون، ومرة يسمعهم ومرة لا يسمعهم، ويرى الغرفة التي هو فيها والفراش الذي هو ممتد عليه، يرى هذه الغرفة تتسع مرة كالفضاء الموحش، ومرة تضيق فتصير كخرم إبرة، وهو بين هذه السكرات، وبين هذه الكربات، وفي هذا الحزن الشديد، فلقد فاتته الآمال ولم يحققها، بنى داره وجهد واجتهد وكنز الأموال، فهو بين حزن شديد على ما فات وبين غم شديد على أنه لا يدري ما الذي سيلاقيه بين يديه من هذا العالم الجديد، وهكذا فإن الحياة الطيبة هي مطلب عظيم وغاية نبيلة، وهي مطلب كل الناس وغاية لجميعهم، وعنها يبحثون، وخلفها يركضون، وفي سبيلها يضحون ويبذلون.

 

فما من إنسان في هذه الحياة إلا وتراه يسعى ويكدح ويضني نفسه ويجهدها، كل ذلك بحثا عن الحياة الطيبة، وطمعا في الحصول عليها والناس جميعا على ذلك متفقون، ولكنهم يختلفون في معنى هذه الحياة وفي نوع هذه الحياة الطيبة، وتبعا لذلك فإنهم يختلفون في الوسائل والسبل التي توصلهم إلى هذه الحياة إن وصلوا إليها، مختلفون على كافة مستوياتهم كانوا، أمما أو شعوبا، أو مجتمعات صغيرة أو كبيرة بل حتى الأسرة الواحدة تجد فيها ألوانا شتى فتجد الأب، فتجد أن للحياة الكريمة والحياة الطيبة عند الأب في كثير من الأحيان، معنى يختلف عن الحياة الطيبة عند ولده، وتجد أن للحياة الطيبة معنى عند الأخ يختلف عن معناها عند أخيه، وقد تجد أن للحياة الطيبة معنى عند الزوجة يختلف عن معنى الحياة الطيبة عند زوجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى