مقال

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السابع مع الدولة العباسية وثورة الزنج، واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير والح الجيش العباسي الحاحا شديد في التقدم، فانهزم الزنج وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون فقتل منهم ما لا يحصى عددا وغرق منهم مثل ذلك وحوى الموفق المدينة بأسرها فغمنها أصحابه واستنقذوا من كان بقي من الأسرى وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وبأخويه الخليل ومحمد وأولادهما وعبر بهم إلى المدينة الموفقية، ومضى الثائر العلوي قائد ثورة الزنج علي ابن محمد في أصحابه ومعه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم إلى الخط الثاني الذي كان معدا كمصد في حال تقدم الجيش العباسي من جهتها اشتغلت جيوش الخلافة بالنهب والإحراق وانصرفوا إلى سفنهم بما قد حووا من غنائم واسلاب، وكان معظم القتال في هذا اليوم للجيوش الطولونيه بقيادة لؤلؤ، في يوم السبت الثاني من صفر.

وبعد ثلاثة أيام من الاستراحة امر الموفق جيوشه بالمسير لقتال الزنج مرة أخرى وطاف عليهم هو بنفسه يعرف كل قائد مركزه والمكان الذي يقصده فعبر بالناس وأمر برد السفن إلى الضفة الأخرى من نهر دجله حتى لايفكر الجند بالهزيمة، والتقى الجيشان مرة أخرى وبعد قتال ضار انهزم الزنج وتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، أسر في هذه المعركة أبرز قواد ثورة الزنج سليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني ودرمويه الزنجي، وانتهى الموفق إلى آخر نهر أبي الخصيب وكانت جيوشه قد أعملت سيوفها في رجال مدينة المختارة عاصمة الزنج لتقتل مقتلة عظيمه منهم حتى غطت الجثث وجه الأرض لترسم صورة مروعه ينقلها لنا التأريخ لواحده من اعنف الصراعات التي شهدتها أرض العراق في ذلك الزمان، وفي مساء ذلك اليوم تتقاطر أعضاء جسد الثائر العلوي قائد ثورة الزنج.

إلى حيث مكان الموفق العباسي كل عضو بيد واحد من الجند ليتبعها رأسه أخيرا، واستمرت الحرب بين دولة الثورة هذه وبين الخلافة العباسية لأكثر من عشرين عاما بلغ العنف فيها من الجانبين حدا لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصف مليون قتيل، وهكذا انطوت صفحة دموية أخرى من صفحات التاريخ، وبإخماد الثورة، أسدل الستار على هذه الحركة التي قضت مضاجع الخلافة لعباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح والتي دامت أكثر من أربعة عشر عاما، وكان قيام الدولة العباسية بعد أن أصيبت الدولة الأموية بالضعف إثر وفاة عاشر خلفائها هشام بن عبد الملك في اليوم العاشر من شهر يناير سنة سبعمائة وثلاثة وأربعون ميلادى، الموافق فيه التاسع من شهر ربيع الأول سنة مائة وخمس وعشرون من الهجرة.

وتعاقب من بعده أربعة خلفاء هم الوليد بن يزيد الذي قتلته الأسرة الأموية لانشغاله عن الدولة وأمور السياسة، ويزيد بن الوليد وإبراهيم القاسم ومروان بن محمد، وتميزت فتراتهم بانقسام داخلي حاد، واستشراء الحروب الداخلية، فضلا عن الوضع الاقتصادي المتردي، ما أسهم في تقوية الجماعات والأحزاب الدينية والحركات السياسية المعارضة لحكمهم، والتي كانت منتشرة بشكل أساسي في العراق وخراسان، البعيدة عن حاضرة الخلافة في دمشق، وأبرز تلك الأحزاب التي عارضت بني أمية الحزبُ القائل بأحقية سلالة علي بن أبي طالب بالخلافة، والحزب القائل بأحقية سلالة عباس بن عبد المطلب، عم النبي محمد، بالخلافة، وكان الحزب الأول قد أطلق عدة ثورات خلال الحكم الأموي، أدت إلى مقتل العديد من مواليه وقادته فقتل الحسين بن علي عام ستمائة وثمانون للميلاد.

وقتل زيد بن علي عام سبعمائة وأربعون للميلاد، بعد أن ثار في الكوفة، أما الحزب العباسي فقد تطور تطورا تدريجيا، والتزم الهدوء طوال عهود القوة الأموية، واستغل ضعف الاقتصاد لتفجير ثورته، وقيل أن العباسيين قد استغلوا أيضا التمييز العنصري والطبقي، الذي كان يمارسه الأمويون بين العرب وغير العرب، في الوظائف والضرائب والجيش فكونوا بذلك قاعدة شعبية عريضة لدى غير العرب، خصوصا في أوساط فلاحي الريف وعمال المدن الفقراء، وذهب الدوري وعدد آخر من الباحثين العرب والمستشرقين لاستخلاص قاعدة مفادها أن الدعوة العباسية كانت ثورة دينية واجتماعية واقتصادية، ويراها البعض أيضا ثورة الفرس ضد العرب، ويمكن إرجاع نضوج الدعوة العباسية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وابنه إبراهيم الذي سجنه آخر الأمويين مروان بن محمد في مدينة حران، إلى أن توفي عام سبعمائة وست وأربعون للميلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى