مقال

الدكروري يكتب عن مقدار التقدم العلمي للأمم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مقدار التقدم العلمي للأمم
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد نشأت المنهجية الإسلامية في أول طور لها بمعايشة أحداث الوحي بحفظ القرآن الكريم وجمعه وتوثيقه وكان التواتر مصدرا للمصداقية، ومحوره الأخلاقي هو التقوى والخشية من الكذب على الله تعالي وكان وعد الله بحفظ الذكر مطمئنا لقلوب الحفظة والموثقين، كما كان استيعاب نصوص القرآن الكريم والعمل بها مما علم نخبتهم من أهل الذكر قواعد التأمل والنظر والاستدلال العقلي، وإن من الممكن تعريف الحضارة على أنها الفنون والتقاليد والميراث الثقافي والتاريخي ومقدار التقدم العلمي والتقني الذي تمتع به شعب معين في حقبة من التاريخ، وإن الحضارة بمفهوم شامل تعني كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة والملابس والتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية ومقدرة الإنسان في كل حضارة على الإبداع في الفنون والآداب والعلوم.

ولقد أدى الالتزام الأخلاقي بأساليب تحري الصدق في التراث الديني المنقول إلى تشكل وتطور المنهجية الإسلامية، وكان لوضع ضوابط التفكير وإلى الاحتكام إلى العقل، الفائدة الجمة عندما اتجهت أنظار مفكري وعلماء المسلمين إلى العلوم العقلية والطبيعية، وكان أيضا التزامهم بالبدء بما انتهى إليه الأولون، وبما اصطلحنا عليه في قواعد المنهج العلمي بمسح التراث أو الأدبيات الخاصة بمجالات المعرفة أو الدراسات السابقة وهى إحدى مراحل الممارسة المنهجية، وقد انتهت هذه المرحلة في أواسط القرن الثالث الهجري، لا في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث كما يظن كثير من الباحثين، ولم يقف الأمر عند حد الأخذ من المعارف الأجنبية وتمثلها كما هي، بل كان النقد المنهجي لهذه المعارف يتم بأسلوب أخلاقي، دون انتقاص قدر أصحاب هذه المعارف أو تجريحهم.

انطلاقًا من المبدأ الأخلاقي الذي حفظته الجماعة المسلمة من دينها وتاريخه وأن الخلف مدين للسلف، وأنه ما من عالم مهما بلغ شأنه معصوم من الخطأ أو الزلل، وقد أرست هذه المبادئ الأسس الأخلاقية للنقد المنهجي، وقد أساء كثير من الباحثين فهم هذه الروح إذ زعموا ضعف الاتجاه النقدي لدى علماء المسلمين ووصموهم بالتبعية للفقهاء، وينبغي في هذا الشأن أن نفرق بين علماء المسلمين في عصر التنوير العلمي من تاريخ الحضارة الإسلامية وبين ما انتهى إليه تلاميذهم في عصور الجمود والحذر من الاجتهاد وتوقفه، ويكفى أن نتلمس الأسس الأخلاقية للنقد عندما يقول البيروني “إنما فعلت ما هو واجب على كل إنسان أن يعمله في صناعته، من تقبل اجتهاد من تقدمه بالمِنة، وتصحيح الخلل إن عُثر عليه بلا حشمة، وتخليد ما يلوح له فيها تذكره لمن تأخر عنه بالزمان وأتى بعده”

وخلال قرنين من بعد وفاة نبي الإسلام كانت صناعة الكتب منتشرة في كل أنحاء العالم الإسلامي وكانت الحضارة الإسلامية تدور حول الكتب، فقد كانت توجد المكتبات الملكية والعامة والخاصة في كل مكان حيث كانت تجارة الكتب ومهنة النساخة رائجة، وكان يقتنيها كل طبقات المجتمع الإسلامي الذين كانوا يقبلون عليها إقبالا منقطع النظير، وكان سبب هذا الرواج صناعة الورق بدمشق وسمرقند وبغداد، كانت المكتبات تتيح فرص الاستعارة الخارجية، وكانت منتشرة في كل الولايات والمدن الإسلامية بدمشق والقاهرة وحلب وإيران ووسط آسيا وبلاد الرافدين والأندلس وشمال أفريقيا وشبكات المكتبات قد وصلت في كل مكان بالعالم الإسلامي، وكان الكتاب الذي يصدر في دمشق أو بغداد تحمله القوافل التجارية فوق الجمال ليصل لقرطبة بإسبانيا في غضون شهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى