مقال

إلى متى هذا الإنقسام البغيض؟

جريدة الاضواء

إلى متى هذا الإنقسام البغيض؟
كتب / يوسف المقوسي

من حقنا أن نغضب. غضباً كثيراً. لم يتغير شيء أبداً. من حقنا أن نيأس. يئسنا. ثم، لا أمل ينبت في الهاوية. من حقنا أن نموت. متنا. ولكننا بقينا نتنفس. ومن حقنا أن نأمل أيضاً. وهذا صعب، بل، ربما مستحيل. فلنراهن قليلاً على الأمل – نقول: لا بد إذاً من نهاية المأساة.

إنما، علينا، قبل ذلك، أن نسأل: لماذا حدث ما حدث؟ وعلى ماذا سنراهن كي نبدأ. علماً، أن ما حدث قد تكرّر مراراً. كثيرة الشواهد، على ماضٍ عسير، دموي، مزغول. وكثيرة أيضاً، كتابات التفاؤل وادعاءات العصمة الفلسطينية. فهو، كطائر الفينيق و.. ثم، لا بد لليل أن ينجلي.
من أين نبدأ؟

يقولون ويُردّدون ويتشدقون ويرغون ويزبدون، أن خلاصنا يبدأ بالمصالحة وإنهاء الإنقسام وتعيين رئيس حكومة وتأليف حكومة وسلسلة من الوعود بالنهوض والإصلاح، واستعادة العافية السياسية والمالية والاقتصادية وإلى آخره.
كذب. كذب. كذب .

كل ما يتداولونه من سقط المتاع. وعود تالفة وكاذبة. المصالحة وإنتخاب “جديد”، بثياب رثة، ووعود نتنة. كذب ودجل ورقص على حافة الهاوية. أزمة فلسطين الرهيبة والسحيقة، لا تُعالج برئيس يولد من مخاض التسويات، بين التنظيمات المستقوية، والأصدقاء الأعداء، (أو الأصدقاء) إضافة إلى أن المرآة لم تنكسر بعد، لترينا، أن أزمات فلسطين لم تكن بسبب رؤسائه، بل بسببهم كلهم. الذين “حكموا” فلسطين ، تحكّموا بها على قاعدة، “ما هو لنا هو لنا، وما هو لكم، هو لنا كله من الألف إلى الياء”.
وعليه، لا تثق كفلسطيني، بكل ما يُقال. إنهم يقولون، وهم مطمئنون إلى أن جماعاتهم المربوطة بكواحل وأحذية قياداتهم، سيصدقون ولو جاعوا.
لا تثق بكل ما يفيض كذباً وعهراً من وسائل “إعلامهم” الكذوب. هم يعرفون موتنا السياسي وأننا مدفونون بعصبيات وأوهام وترَهات ونفاق وادعاءات.

باختصارٍ شديدٍ، ليس لدى نسل السياسيين في فلسطين أي بادرة. إنهم ركام. يبنون على ركام. الآتي أيضاً مسلسل ركام.
ليست المرة الأولى. فلسطين واضحة جداً، ولكن مسكوت عنها. هؤلاء ومن كان قبلهم، وهم من نسل واحد، تزاحموا على نهش فلسطين وتدميرها و.. إعادة ترميمها، وتعميم ثقافتها.. “عفا الله عما مضى”. لكن ما مضى، لن يكون أسوأ من النزول المستدام، إلى الجحيم.
لماذا حصل كل هذا ؟

أولاً؛ غياب الأحزاب العلمانية. كأنها صارت ركاماً. ماضيها معيب جداً. تحالفت مع الإسلامية هنا وهناك. كل الحروب التي خاضتها أحزاب العقائد “المجيدة”، انتهت إلى تسليم رسن الحلول، إلى “أبوات ودكتاتوريات العرب وأحضان الدول الخليجية الشقيقة.

ثانياً؛ تراجع أنشطة المجتمع المدني وأنديته وثقافته. لم نعد نسمع بنشاطات فعالة، لا فولكورية، تُعبّر عن رفض وترسم أفقاً. كلامها لا يصل صداه إلى أمكنة مهجورة ومتعبة. الجمعيات والأندية أفلست. تكرار+ تكرار= طرش.

ليس في الواقع الفلسطيني، إلا شتات أناس، طيبين، متألمين، صادقين. أناسٌ يحلمون، ولكنهم يسيرون في عتمة. لا ضوء يُدشّن المسار. النفق الفلسطيني، دائري. يحاصرنا من كل الجهات. لذا، نحن في المرحلة الأخيرة من الإنحلال.

ثالثاً؛ الكذب الصافي. الفضيحة الفلسطينية، هي في رفع شعارات السيادة والحرية والديموقراطية والمساءلة. عيبٌ هذا الفجور. مطالب المجتمع المدني ومن يُمثّلونه في مواقع شتى: نيابات، جمعيات، نقابات، إلخ.. كل هذا هراء. مدائح وخسائر. لم نتقدم قيد أنملة من هدف بسيط ومتواضع. لا أعرف، إن كان هؤلاء، يعرفون أن السلطة تنين. ومن سيماء القيادات السلطوية المزمنة، الطاحنة للأزمنة، يعرفون ذلك. هم ألسنة التنين ونيرانه وغضبه وجموحه. سُلطتنا الإنقسامية هي سلطةٌ نهمة تراكم المزيد من الجشع والسرقة، وتعظ الناس بالوهم. إنها سلطة سرطان شائع، في فيافينا العربية. المسألة ليست في النصوص. العرب أنجبوا متحفاً للأفكار والأديان والعقائد. متحف بلا حياة. أما ما هو مطلوب، فلم ينجبوا شيئاً منه، لأن الفراش الزوجي سياسياً، يمنع إقامة دولة القانون والعدالة .

لا تصدقوهم عندما يختلفون قضائياً أو دستورياً أو قانونياً. إنهم “زناة الهيكل وقحابه”. لا تصدقوهم عندما يتحدثون عن الديموقراطية. وخصوصاً التوافقية. هم يتوافقون على المغانم.

لقد أبلسوا الدولة. علاقتهم بنا، هي علاقة جلادين وضحايا. لذا، يجب الغاء تسمية المجتمع المدني كلياً. إنه مجتمع أهلي، حزبي، تزاحمي. لا وجود لأقلية وأكثرية , أكثريتهم أقليات. لكنها أقليات تدوس سواها دوساً مستداماً.

هذه هي فلسطينكم، هكذا كانت. وهكذا ستكون، إن ظلت على قيد الحياة.

رابعاً؛ وقائع السقوط والانهيار الفلسطيني، وانعدام الحلول راهنا، تفضي الى ما يلي:

السقوط في الهاوية لن يتوقف. وبانتظار “العطف الدولي” ستستمر فلسطين في لوك علكة التوافق. حزبيا، وحكومياً ونفعياً، ونهباً، وخيانات متبادلة.
إيلاء أمر “الإصلاح”، والعودة عن النهايات المأساوية، الى “الطبقة” السياسو- تنظيمية، المرتكبة لعار الانهيار، هو من قبيل الجنون والفجور. الثلة المتحكمون بالدولة والسلطة والنهب والزنى الوطني، سيوكل إليهم، “انقاذ الطبقة المتحكمة”، عبر تطبيق التوافق. والتوافق، أحد العاهات الديموقراطية الفاسدة.
/ لا وجود لبدائل عن هذه الطغمة أبداً. المعزوفة الإعلامية لم تعد تأتي على ذكر أي شيء جديد. إنهم يريدون تصويب الماضي والحاضر، بمستقبل أكثر شبهاً لهما.
/ أخيراً، قد تكون فلسطين ، كل فلسطين على حافة العداوات التنظيمية. ولا ديموقراطية ترجى. فالديموقراطية ثقافة وليست آلة ونظاماً.
/أخيراً مرة أخرى: اللغة السياسية السائدة، دمية بشعة. اللغة هذه، تصنع حاضراً جديداً، للحاضر المضاد. اللغة هذه غول. وفلسطين المنكوبة ضحية اللغة الفائضة دينياً وعقدياً ومالياً ودستورياً.
اللغة لم تعد تعني شيئاً. إنها تهذر.
ونحن أيضاً، لم نعد نعني شيئاً. لذا، فإن آلامنا صامتة. والشعارات، احتفال بالتفاهات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى