مقال

الدكروري يكتب عن الإنتصار علي النفس الأمّارة بالسوء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإنتصار علي النفس الأمّارة بالسوء
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إنه لا نصر للأمة الإسلامية ولا غلبة لها، ولا عز لها ولا تمكين إلا بأن ينتصر أفرادها على أعدائهم الداخليين ويهزموهم، من نفوسهم الأمّارة بالسوء، وشياطين الإنس والجن الذين لا يألونهم خبالا، أما أن ينهزم المسلمون أمام هوى نفوسهم وشحها، ويستسلموا لنزغات شياطينهم ويسلموا لهم القياد، ويسقطوا فى معركة ساعة أو نصف ساعة، أو دقائق معدودة، يواجههم فيها ممثلون طائشون، ويسترقهم فيها مغنون ماجنون، فيطرحونهم أرضا يضحكون ويستهزئون بدينهم وهم سامدون، أو يخلدوا للفرش، ويقدموا النوم على الصلاة، أو تلهيهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، فما أحراهم حينئذ أن تدوم هزيمتهم، وتظهر إهانتهم، فإنه لا عزة إلا بالله، ولا نصر إلا من عنده، ولا عزة ولا نصر إلا بالكلم الطيب والعمل الصالح.

فهذه هى العزة الحقيقية، والعلو التام، والسلطان القاهر، إنها الاستعلاء على شهوات النفس، وتحطيم أصنام الهوى والعادات، والانفكاك من قيود الرغبات والنزعات، والتخلص من ذل البخل، وقهر الشح، إنها خشية لله وتقوى، ومراقبة له في السر والنجوى، وكذلك من الأنتصارات فى شهر رمضان، هو فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، وإن القسطنطينية التي بشّر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بفتحها، فقال صلى الله عليه وسلم ” لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش” روه الإمام أحمد، ومن ذا الذى فتحها غير السلطان محمد الفاتح، الذى وضع خطة غاية فى دهاء التدبير، وروعة في الإعداد العسكرى ودقة التنفيذ؟ يوم حمل السفن برا على جذوع الشجر.

ثم دحرجها وأنزلها إلى البحر خلف البيزنطيين من حيث لا يتوقعون، مما أدى إلى دحر أسطولهم وهزيمتهم، وفتح القسطنطينية التى أصبحت فيما بعد عاصمة الخلافة، وحملت اسم إسلامبول أو إستانبول، أى بمعنى مدينة السلام، ولكن كيف تم فتح القسطنطينية؟ فقد أراد محمد الفاتح منذ توليه الحكم حسم مشكلة القسطنطينية، فقد كانت وكرا للمؤامرات على الدولة العثمانية، واستعد السلطان سياسيا وعسكريا لذلك، ثم حشد الفاتح أكثر من ربع مليون جندى أحدقوا بالقسطنطينية من البر، واستمر حصار المدينة ثلاثة وخمسين يوما، تم خلالها بناء منشآت عسكرية ضخمة، واستقدام خيرة الخبراء العسكريين، ومن بينهم الصانع المجرى الشهير أوربان، والذى استطاع صنع مدافع عظيمة تقذف كرات هائلة.

من الحجارة والنار على أسوار القسطنطينية، وقد بذل البيزنطيون قصارى جهدهم في الدفاع عن المدينة، واستشهد عدد كبير من العثمانيين في عمليات التمهيد للفتح، وكان من بين العقبات الرئيسة أمام الجيش العثماني تلك السلسلة الضخمة التي وضعها البيزنطيون ليتحكموا بها فى مدخل القرن الذهبى، والتى لا يمكن بحال فتح المدينة إلا بتخطيها، وقد حاول العثمانيون تخطى هذه السلسلة دون جدوى، ووفق الله الفاتح لفكرة رائعة، تدل على عبقرية حربية فذة، حيث استطاع نقل سبعين سفينة بعد أن مهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة، وتم دهن الألواح الخشبية ووضعها على الطريق تمهيدا لجر السفن عليها مسافة ثلاثة أميال، وقد تم كل هذا فى ليلة واحدة، وبعيدا عن أنظار العدو، وكانت فكرة مبتكرة وناجحة بكل المقاييس.

ثم بعد الهجوم الكاسح على المدينة واستسلامها بعد مقتل الإمبراطور، وكان التسامح التام مع أهل المدينة حيث كانت لهم الحرية التامة في ممارسة شعائرهم الدينية، واختيار رؤسائهم الدينيين، ومما يدل على ذلك أن السلطان محمد الفاتح استقبل بطريرك المدينة، وتناول معه الطعام، وتحدثا في أمور شتى دينية وسياسية واجتماعية، مما أعطى هذا البطريرك انطباعا مختلفا عما كان عليه قبل لقائه السلطان الفاتح، ولقد كانت القسطنطينية قبل فتحها عقبة كبيرة فى وجه انتشار الإسلام في أوروبا ولذلك فإن سقوطها يعني فتح أوروبا لدخول الإسلام بقوة وسلام أكثر من ذى قبل، ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمية، وخصوصا تاريخ أوروبا وعلاقتها بالإسلام، حتى عدّه المؤرخون الأوروبيون ومن تابعهم نهايةَ العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى