مقال

العقل والطريق المستقيم

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن العقل والطريق المستقيم
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله مصرف الأمور، ومقدر المقدور، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع يوم النشور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ومضاعفة الأجور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور، وهو صلى الله عليه وسلم الذي أقسم بحياتة رب العزة سبحانه وتعالي حيث قال الله تعالى ” لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون” واتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه و سلم وأصله ضم العين، من العمر، ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال، ومعناه وبقائك يا محمد وقيل وعيشك، وقيل وحياتك وهذه نهاية التعظيم.

وغاية البر والتشريف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما خلق الله تعالى وما ذرأ، وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره، وقال أبو الجوزاء ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه و سلم لأنه أكرم البرية عنده، وقال جعفر بن محمد ” من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه، وأقسم بحياته ونسخ به شرائع غيره، وعرج به إلى المحل الأعلى، وحفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر وما طغى، وبعثه إلى الأحمر والأسود، وأحل له ولأمته الغنائم وجعله شفيعا مشفعا وسيد ولد آدم وقرن ذكره بذكره ورضاه برضاه وجعله أحد ركني التوحيد، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد.

فإن العقل لا يسلم من أعداء يحيدون به عن الطريق المستقيم، ويعدلون به عن إعمال تفكيره فيما ينجيه عند ربه العظيم، ويصلح له حياته الدنيا صلاحا غير مشوب بالباطل والأكدار، فالعدو الأول هو الهوى، وهو ميل النفس إلى ما تستلذه الشهوات من غير داعية الشرع، بحيث يصير الإنسان عبدا مطيعا لكل ما تشتهيه نفسه من الباطل، وأصحاب العقول المعبدة للهوى لا يفكرون إلا بملذات أجسادهم وشهواتها العاجلة، وليس لديهم تفكير في أسباب النجاة في الآخرة، فهم في سكر الهوى والشهوة، فإذا جاءهم ملك الموت صحوا، ولا يخفى أن الهوى عن الخير صاد، وللعقل مضاد لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكا، ومدخل الشر مسلوكا، وقال بعض الحكماء العقل صديق مقطوع، والهوى عدو متبوع.

فليحفظ المرء عقله من سلطان الهوى الذي إذا دخل في رعيته هلك، فقال بعض أهل العلم “والعقل والهوى متعاديان فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مُسعفا، ولهواه مسوفا، فإذ اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما من هواه، لأن في مجانبته الهوى إصلاح السرائر، وبالعقل تصلح الضمائر، وقال آخر ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحا وسرورا ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهما، وهنا يمتاز العقل من الهوى” وقيل لبعض الحكماء أوصنا بأمر جامع، قال احفظوا وعوا أنه ليس من أحد إلا ومعه قاضيان باطنان أحدهما ناصح، والآخر غاش، فأما الناصح فالعقل، وأما الغاش فالهوى، وهما ضدان فأيهما ملت معه وَهى الآخر يعني ضعف، والعدو الثاني للعقل هو المعلومات الخاطئة، التي تشكله في بوتقة انحراف.

وتسقيه أسباب عطبه، ومادة انحرافه، حتى يختل توازنه الفكري، ويفسد سلوكه العملي، ويضل بذلك عن جادة الحق، وتلك المعلومات المضلة قد تأتيه من معلم أو وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة، أو جليس مشوش الفكر، ولو بقي المرء خلوا من ذلك لكان جهله وبعده عن تلك المعلومات المسمومة خيرا له، ولهذا ندم بعض الخائضين في الفلسفة وعلوم الضلال بعدما ضلت عقولهم في خضمها، ونصحوا الناس بالبعد عنها، وتمنوا لو ماتوا على عقائد العجائز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى