مقال

نفحات إيمانية ومع إعمال العقل فى فهم النص “جزء3”

نفحات إيمانية ومع إعمال العقل فى فهم النص “جزء3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع إعمال العقل فى فهم النص، والسفسطائيين قد اتهمهم سقراط بقوله لقد دمر السفسطائيون إيمان الشباب بآلهتهم، وحطموا القانون الخلقي، الذي كان يعززه خوفهم من عقاب الآلهة لو قاموا بارتكاب ما يخالف رضاها، وأصبح من الواضح أنه لا مانع من أن يسير الإنسان على هواه، ويفعل ما يطيب له، فماذا عن سفسطائيي هذا العصر؟ هل يريدون أن يقوموا بالدور الذي حض عليه سفسطائيو الإغريق بنسف القيم الدينية والأخلاقية بدعوى حرية العقل وتحرره، مع أنهم قيدوا عقولهم بهذه الفلسفات، وتركوا ما هو من عند الله؟ حيث قال الله عز وجل فى سورة الملك ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”

 

أما شأن العقل عند من فهم وظيفته، وما أراد الله من أنه آلة لفهم الشريعة وأحكامها، فالأمر مختلف، فلقد أعلى الله شأن العقل ودوره، ويقول أبو حاتم البستي وهو المشهور بابن حبان العقل نوعان، مطبوع ومسموع، فالمطبوع منهما كالأرض، والمسموع كالبذر والماء، ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له عمل محصول، دون أن يرد عليه العقل المسموع، فينبهه من رقدته، ويطلقه من مكامنه، يستخرج البذر والماء ما في قعور الأرض من كثرة الربع، فهذا هو التكامل بين ما هو فطري، وما هو مكتسب بالعلم المجرد من الهوى، هو أكمل العقل وأتمه، فهذا الذي يوفقه الله للفهم الصحيح مع وجود الإيمان الفطري الذي جبلنا عليه.

 

وبذلك قال ابن الجوزي رحمه الله أيضا “فإن أعظم النعم على الإنسان العقل لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه والسبب الذي يتوصل به إلى تصديق الرسل، فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة، رأت الشمس، ولما ثبت عند العقل أقوال الأنبياء الصادقة، بدلائل المعجزات الخارقة، سلم إليهم، واعتمد فيما يخفى عنه عليهم، ولما أنعم الله على هذا العالم الإنسي بالعقل، افتتحه الله بنبوة أبيهم آدم عليه السلام فكان يعلمهم عن وحي الله تعالى فكانوا على الصواب، إلى أن انفرد قابيل بهواه، فقتل أخاه، ثم تشعبت الأهواء بالناس فشردتهم في بيداء الضلال، حتى عبدوا الأصنام، واختلفوا في العقائد والأفعال، اختلافا خالفوا فيه الرسل والعقول.

 

اتباعا لأهوائهم، وميلا إلى عاداتهم، وتقليدا لكبرائهم، فصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين، فالمشكلة إذًا ليست في العقل كفطرة سوية، وإنما كهوى متبع، فهذا هو السبب في الجدل المفتعل، وهو السير وراء سراب العقول التي خالطها الهوى، ويقول العلامة الشوكاني رحمه الله لقد كان السلف يقولون إن العقل عقلان، غريزي، ومكتسب فالغريزي هو ما نسميه بالمقدرات العقلية، من فهم، وإدراك، وفقه، واتساق في الكلام، وحسن تصرف، وهذا العقل الغريزي هذا هو مناط التكليف، فمن لا عقل له، لا يكلف، ومن فقد بعض مقدراته العقلية، فإنما يكلف بحسب ما بقي له منها، فلولا هذا العقل إذن، لما كان هناك تكليف لصاحبه.

 

وهو الذي تستوعب النصوص والنقول به، فنؤمن بها، فلا يؤول صريحها، ولا يرد صحيحها، كما يفعل أهل الأهواء بحجج تعارضها مع عقولهم، حيث قال الله تعالى فى سورة الجن ” وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا” فالعقل يساعد على فهم الشرع، لا كما يظن الناس أن الأحكام الشرعية قد تنعقد من عقولهم وأفهامهم، إنما هي مُحكمة من عند المشرع، حيث قال الله تعالى فى سورة الأحزاب ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا” وكما صح عن علي رضي الله عنه أنه قال “لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى