مقال

الشهداء في الإسلام

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الشهداء في الإسلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم السبت 21 اكتوبر

الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام، مانح المواهب العظام، والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام، الذي أخبرنا بأن أرواح الشهداء في جوف طير خضر في الجنة، وقد يتساءل المرء كيف تكون روح المؤمن في حوصلة الطير فذلك حبس لها، وتضييق عليها؟ والجواب بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر، وقال أحد العلماء في الجواب عن ذلك، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله، أعاضهم عنها في البرزخ أبدانا خيرا منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وأن الشهيد لا يسأله الملكان في قبره.

لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهو ثابت حتى استشهد، فكان ذلك امتحانا كافيا في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص، وأنه ليس الشهيد هو من قتل في ساحات الحرب فقط ولكن من الشهداء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم كثير فمنهم صاحب السل، والحريق، وصاحب الهدم، والمرأة تموت جمعاء وابنها في بطنها، والنفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه، والأصل في هذا ما جاء في الحديث الشريف “ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” فإذا مات مؤمن في حادث من هذه الحوادث المحزنة المتعبة فهو يلحق عند الله بالشهداء.

ولكن المعنى الأكبر والأوسع لهذه الكلمة هو البذل والعطاء والجود بالنفس في سبيل أمر عظيم قد بعث الله تعالى أنبياءه من أجله من لدن آدم إلى رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، مرورا بكل الأنبياء صلوات الله وسلاماته عليهم أجمعين، فتبقى صورة الشهيد هو ذلك المضرج بدمائه المستلقي تحت سماء ربه شاخصا بصره الحديد إلى السماء، يرى ما أعد الله تعالى له من نعيم مقيم في دار لا تعب فيها ولا نصب، تحفه الأملاك وتغشى وجهه السكينة والهدوء وتعلو شفتيه ابتسامه الرضا بحكم الله وإن كانت نفسه هي التي قد كتب عليه أن يجود بها، ليس بعد هذا البذل بذل يوصف، فهو الشهيد لا غيره ذلك الذي هبط من العلياء إلى الأرض ليعلم الناس كيف يكون الصدق مع الله تعالى والإخلاص في سبيل العقيدة التي قد تضرج بابها بأنهار من دماء الشجعان ليحفظوها.

ولتقوم على أقدامها كما نراها اليوم عزيزة أبية لا تنحني سوى للإله الواحد الأحد، فالشهيد شخص رأى أن في الحياة ما يستحق، أن يبذل روحه من أجله، أو لنقول إن الشهيد قد وجد غاية سامية أعلى من حياته فوهب روحه في سبيل تحقيق تلك الغاية، وهذه هي الغاية التي يطمح الإنسان للوصول إليها من الأخلاق والمكارم الرفيعة التي هي المعيار في ارتقاء الأمم ووصولهم إلى أرقى درجات الحضارة والإنسانية، وكذلك فإن من صفات الشهيد أنه إنسان قد تربى على الإيثار فلا تعرف الأثرة طريقها إليها ولا تهتدي لأمثاله من الذين يكون هم الأمة قد استحوذ عليهم وتعلق شغاف قلوبهم ونسأل الله العفو العافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى