مقال

الدكرورى يكتب عن والي مصر عبد الله بن سعد ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن والي مصر عبد الله بن سعد ” جزء 2″

بقلم / محمــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع والي مصر عبد الله بن سعد، وعبد الله بن أبي السرح الذي كان مصاحبا لعمرو بن العاص منذ أيام فتوحه في فلسطين، حيث كان من ضمن قواده واشترك معه في فتوح مصر، وقد عينه عمر بن الخطاب على بعض صعيد مصر بعد فتحها، ويبدو أن عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح حدث بينهما خلاف في وجهات النظر، فوفد عمرو بن العاص على عثمان بن عفان بعد مبايعته بالخلافة، وطلب منه عزل عبد الله بن سعد عن ولاية الصعيد، فرفض عثمان بن عفان ذلك، وذكر له أن عمر بن الخطاب هو الذي ولى ابن أبي السرح، وأنه لم يأتي بما يوجب العزل، فأصر عمرو بن العاص على عزله، وأصر عثمان على عدم موافقته، ونتيجة لإصرار كل من الطرفين على رأيه، رأى الخليفة عثمان بن عفان أن من الأصلح.

 

هو عزل عمرو بن العاص عن مصر وتولية عبد الله بن أبي السرح مكانه، فبعدما ولاه عثمان بن عفان بزمن خلافته إمارة الصعيد، ثم ولي مصر بعدها في سنة سبعه وعشرين من الهجرة، وفي مدة ولايته فتح فتوحا عظيمة في بلاد النوبة والسودان سنة واحد وثلاثين من الهجرة، وعقد عهدا بينه وبين ملك النوبة بأن يؤمن التجار ويحافظ على المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة، ويقال أن عبد الله بن سعد تمكن من ضبط خراج مصر حتى زاد ما كان يجمعه من الخراج على ما كان يجمعه عمرو بن العاص قبله، ولعل مرد ذلك إلى اتباع عبد الله بن سعد لسياسة جديدة في المصروفات اختلفت عن سياسة عمرو، وبالتالي زادت أموال الخراج المتوافرة في مصر، وقد كانت ولاية عبد الله بن سعد على مصر محمودة على العموم لدى المصريين.

 

ولم يروا منه ما يكرهون، ويقول عنه المقريزي ومكث أميرا مدة ولاية عثمان رضي الله عنه كلها محمودا في ولايته، وقد تولى بناء وقيادة الاسطول الإسلامي في معركة ذات الصواري وانتصر على البيزنطيين وأغرق تسعمائة سفينة من اسطول قنسطنس الثاني، وقيل أنه لقد كان من أهم أعمال عبد الله بن سعد بن أبي سرح العسكرية غزوة ذات الصواري سنة خمسه وثلاثين من الهجرة، وقد انتصر فيها المسلمون على الروم بقيادة قسطنطين بن هرقل، الذي جاء بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها لخسارته المتوالية في البر، فأذن عثمان بن عفان رضي الله عنه لصد العدوان، فأرسل معاوية بن أبي سفيان مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت إمرته.

 

ومجموعها مائتا سفينة فقط، وسار هذا الجيش الإسلامي وفيه أشجع المجاهدين المسلمين، حيث كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها المسلمون، أظهر فيها الأسطول الفتيّ الصبر والإيمان، والجَلد والفكر السليم بما تفتق عنه الذهن الإسلامي من خطة جعلت المعركة صعبة على أعدائهم، فاستحال عليهم اختراق صفوف المسلمين بسهولة، وحوّل العرب قتال البحر إلى قتال برّ، وربطوا السفن العربية بالسفن البيزنطية، وقيل أنه فى معركة ذات الصوارى صفّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن الكريم والصبر، فوثب الرجال على الرجال يتضاربون بالسيوف على ظهر السفن، فدارت الدائرة على الروم، وانهزم فيها الإمبراطور قسطنطين الثاني، الذي حضر بنفسه المعركة، وفرّ يطلب النجاة.

 

وسُميت هذه المعركة بذات الصواري لكثرة صواري السفن التي شاركت فيها من الطرفين، وقد عدّ المؤرخون هذه المعركة يرموكا ثانية، حيث انتصر المسلمون وأصبح البحر المتوسط بحيرة إسلامية، وصار الأسطول الإسلامي سيد مياه البحر المتوسط ، وكما غزا إفريقية عدة مرات سنة واحد وثلاثين وثلاثه وثلاثين من الهجرة حتى بلغ تونس، وبعد استشهاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان اعتزل عبد الله السياسة ونجا بنفسه من الفتنة، وخرج إلى عسقلان فظل فيها عابدا حتى توفي بها سنة سبعه وثلاثين من الهجرة، فعن يزيد بن أبي حبيب قال خرج ابن أبي السرح إلى الرملة بفلسطين، فلما كان عند الصبح قال اللهم اجعل آخر عملي الصبح، فتوضأ ثم صلى، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه رضي الله عنه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى