مقال

إياكم والتدخل في شؤون الناس

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إياكم والتدخل في شؤون الناس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 27 ديسمبر

الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن من أحسن إسلامه فقد أحرز الفضائل والمكرمات، وربح مضاعفة الأجور والحسنات، حتى تكون الحسنة في ميزانه أثقل من الجبال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها” ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وكلنا يسعى لأن يكون ذا إسلام حسن، وخلق رفيع، فما بال أقوام يأبون إلا التدخل في شؤون الناس؟

وإن مما يجمل بالمرء ويزينه، ويجعله شامة بين الناس، أن يدع الخلق للخالق، ويصرف قلبه عما لا يعنيه، فليس من بضاعة المؤمن الأريب، والعاقل اللبيب، أن يشتغل بفضول الكلام، أو يجاري الجهلاء في القيل والقال، فأخلاقه العليا، وقيمه المثلى، تضفي عليه الاحترام وجميل الحياء، فتمنعه من أن يسأل الناس عن مكنون أحوالهم وخاص شؤونهم، وما دخله بتفاصيل حياتهم؟ ولقد رزق الله الناس لبيوتهم أبوابا، وجعل على أسرارهم سترا وحجابا، فهذا من ممتلكاتهم التي لا يرضون لها انكشافا، ويرفضون لها تسورا واقتحاما، فمابال أقوام يأبون الا أن يتقحموا في مالا يعنيهم ويتدخلوا فيما لا يخصهم، ولايهمهم فيفسدوا، وان من قلة الدين وضعف الايمان اشتغال المرء بما لا يعنيه اشتغاله بشؤون الآخرين، وخصوصياتهم.

وكيفيات معاشهم، ومقدار تحصيلهم، والبحث في تفاصيل أحوالهم، في أنفسهم وأولادهم وأهليهم، والتدخل في مشكلاتهم، والسؤال عن هذا وذاك، فكم من مجالس عقدت ومناسبات نصبت، وكلها على كلام لا حاجة للإنسان فيه، ولادخل له به بل عليه وزره، وإن المرء ليعجب من حبّ الناس للحديث في أمور نجّى الله تعالي أيديهم وأرجلهم منها، وأبوا مع ذلك إلا أن يتحدثوا فيها، وكل هذا من إهدار الزمان، وضياع الوقت ومن القيل والقال الذي ليس من ورائه مصلحة ولا منه منفعة، والاشتغال بما لا يعني، يبغضه الله، واعلموا يرحمكم الله إن قضاء حوائج الناس باب عظيم للخير فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم قوله “إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلي الخير، وحبب الخير إليهم، هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة”

فبشروا من يسعى في قضاء حوائج الناس بقضاء حوائجه، فمن كان الله في حاجته أتظنون أنه يخيب؟ فبعض الناس قد يغره المنصب والوجاهة والمكانة فيترفع عن قضاء حوائج الناس فنقول له هذا خير الأمة بعد نبيها الصديق رضي الله عنه كان يواظب على خدمة عجوز مقعدة فبعد أن ولي الخلافة ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقضاء حوائجها ظانا أن أبا بكر ستشغله الخلافة ولو بشكل مؤقت عن ذلك العمل فإذا به يجد أن الخليفة قد سبقه لذلك، وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه وهو خليفة وجد وهو يعس بالليل امرأة في حالة المخاض تعاني من آلام الولادة فحث زوجته على قضاء حاجتها وكسب أجرها فكانت هي تمرض المرأة في الداخل.

وهو في الخارج ينهمك في إنضاج الطعام بالنفخ على الحطب تحت القدر حتى يتخلل الدخان لحيته وتفيض عيناه بالدمع لا من أثر الدخان الكثيف فحسب بل شكرا لله أن هيأه وزوجته لقضاء حوائج الناس، فما أشد حرمان من لم يوفق لقضاء حوائج الناس وأشد منه خسارة وبؤسا من سعى في تعطيل حوائج الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى