مقال

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 15″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 15″

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس عشر مع فضل العشر الأواخر من رمضان، فمن حرص على شيء جدّ في طلبه، وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه، فإنها ليلة تجرى فيها أقلام القضاء بإسعاد السعداء، وشقاء الأشقياء، فإن فيها يفرق كل أمر حكيم، ولا يهلك على الله إلا هالك، فيا ليلة القدر للعابدين اشهدى، ويا أقدام القانتين اركعى لربك واسجدى، ويا ألسنة السائلين جدى فى المسألة واجتهدى، فإن أيامكم هذه أعظم الأيام فضلا، وأكثرها أجرا، تصفو فيها لذيذ المناجاة، وتسكب فيها غزير العبرات، كم لله فيها من عتيق من النار، وكم فيها من منقطع قد وصلته توبته، المغبون من انصرف عن طاعة الله، والمحروم من حرم رحمة الله، والمأسوف عليه من فاتته فرص الشهر وفرط فى فضل العشر وخاب رجاؤه في ليلة القدر، مغبون من لم يرفع يديه بدعوة، ولم تذرف عينه بدمعة.

 

ولم يخشع قلبه لله لحظة، ويحه ثم ويحه أدرك الشهر، ألم يُحظ بمغفرة؟ ألم ينل رحمة؟ يا بؤسه، ألم تقل له عثرة؟ ساءت خليقته وأحاطت به خطيئته، قطع شهره فى البطالة وكأنه لم يبق للصلاح عنده موضع، ولا لحب الخير فى قلبه منزع، فقد طال رقاده حين قام الناس، هذا والله غاية الإفلاس، عصى رب العالمين واتبع غير سبيل المؤمنين، أمر بالصلاة فضيعها، ووجبت عليه الزكاة فانتقصها ومنعها، دعته دواعى الخير فأعرض عنها، مسؤولياته قصّر فيها، وقصّر فيمن تحت يديه من بنين وبنات، يفرط فى مسؤولياته وقد علم أن من سُنة نبينا أنه يوقظ أهله، أما هذا فقد اشتغل بالملهيات وقطع أوقاته في الجلبة فى الأسواق والتعرض للفتن، فاتقوا الله وقوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة، فإن الشقي من حرم رحمة الله، فإن المؤمن يعلم أن هذه المواسم عظيمة.

 

والنفحات فيها كريمة ولذا فهو يغتنمها، ويرى أن من الغبن البين تضييع هذه المواسم، وتفويت هذه الأيام والفرص، ولقد كان رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يُعطي هذه الأيام عناية خاصة ويجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها، فإنها عشر ليال فقط تمر كطيف زائر فى المنام، تنقضي سريعا، وتغادرنا كلمح البصر، فليكن استقصارك المدة معينا لك على اغتنامها، وتذكر أنها لن تعود إلا بعد عام كامل، لا ندرى ما الله صانع فيه، وعلى من تعود، وكلنا يعلم يقينا أن من أهل هذه العشر من لا يكون من أهلها في العام القادم، أطال الله في أعمارنا على طاعته، ولقد بدأت العشر وبدأ السباق، فأين المقتدون ؟ وأين المهتدون؟ إنها ليالى العابدين، وقرة عيون القانتين، وملتقى الخاشعين، ومحط المخبتين، ومأوى الصابرين، فيها يحلو الدعاء، ويكثر البكاء، إنها ليال معدودة وساعات محدودة.

 

فيا حرمان من لم يذق فيها لذة المناجاة، ويا خسارة من لم يضع جبهته فيها ساجدا لله، إنها ليالى يسيرة، والعاقل يبادر الدقائق فيها، لعله يفوز بالدرجات العُلا في الجنان، وإنها ليست بجنة بل جنان، فيا نائما متى تستيقظ؟ ويا غافلا متى تنتبه؟ ويا مجتهدا اعلم أنك بحاجة إلى مزيد اجتهاد، ولا أظنك تجهل هذه الآية ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم” فإن للعشر الأواخر من رمضان عند النبي صلى الله علية وسلم، وأصحابه أهمية خاصة ولهم فيها هدى خاص، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصا فيها على الطاعة، والعبادة والقيام والذكر، فكان من أهم الأعمال التى كان يحرص عليها الأولون وينبغى علينا الاقتداء بهم في ذلك هو أحياء الليل فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحياء الليل وأيقظ أهله وشد مئزر” ومعنى إحياء الليل أى استغرقه بالسهر فى الصلاة والذكر وغيرهما،

 

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت” لا اعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله فى ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان” فعلى هذا يكون أحياء الليل المقصود به أنه يقوم أغلب الليل، ويحتمل أنه كان يحي الليل كله كما جاء في بعض طرق الحديث، وقيام الليل فى هذا الشهر الكريم وهذه الليالي الفاضلة لاشك أنه عمل عظيم جدير بالحرص والاعتناء حتى نتعرض لرحمات الله جل شأنه، ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر هو إيقاظ الرجل أهلة للصلاة، كما فى البخارى عن السيدة عائشة رضي الله عنها وهذا حرص منه عليه الصلاة والسلام على أن يدرك أهله من فضائل ليالي هذا الشهر الكريم ولا يقتصر على العمل لنفسه ويترك أهله في نومهم ، كما يفعل بعض الناس وهذا لاشك أنه خطأ وتقصير ظاهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى