مقال

الدكروري يكتب عن أسرار في أشعار بن الفارض

الدكروري يكتب عن أسرار في أشعار بن الفارض

الدكروري يكتب عن أسرار في أشعار بن الفارض

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلام وكتب السير الكثير والكثير عن العلماء والفقهاء في الإسلام وعن أئمة المسلمين وعن الشعراء والأدباء والذي كان من بينهم سلطان العاشقين ابن الفارض وقد تميّز شعر ابن الفارض بنزعته الصوفية، ولولا هذا التصوف الذي غلب شعره لانطمس ذكره منذ زمن طويل، وما يكاد الشعر الذي أنتجه ابن الفارض يخرج عن العديد من الأغراض الشعرية كالصبابة والحنين والخمريات، والسر الذي جعل الناس يقبلون على شعره هو المعاني الرمزية عنده ووزنها، ولولا ذلك لانصرف الناس عن شعره، فقد رأوا عناية ابن الفارض بوزن المعاني له فاتحة جديدة في الشعر، بعد أن ظل الشعراء أزمانا طويلة يحرصون كل الحرص.

 

على وزن الألفاظ قبل كل شيء، ومما لا شك فيه أن ابن الفارض من ناحية عنايته بالمعاني كان فحلا من فحول الشعر، لأنه جمع أيضا بين الحقيقة والخيال، فكانت الحقيقة عنده هي الصورة الروحية، أما خياله فكان الصورة الحسية التي رمز من خلالها إلى المعنويات، وقد تراوح شعر ابن الفارض، بين الفطرة والتكلف، حيث غلب التكلف على معظم الشعراء في عصره، فجميع شعره الذي وسم بذاك الطابع لا يمكن الشك فيه كله، وإنما يغلب الشك على شعره الذي يطغى عليه الضعف، كما كان ابن الفارض مفتونا بشكل لافت بالفنون والمحسنات البديعية من تورية وجناس وطباق وغيرها، واستخدم الغريب في شعره، كأن جعل قافية إحدى قصائده تنتهي بالذال فكان ذلك تكلفا واضحا لأن القافية الذالية صعبة للغاية.

 

ولا يقبل عليها الشعراء إلا المتكلفين منهم، فالذي يقوم بمراجعة القوافي في الشعر العربي يجد الشعراء لا يتخذون الذال قافية لهم إلا في بعض الأبيات والمقطوعات من الشعر، وفي النادر القليل منه، وابن الفارض أراد بذلك أن يُعرّف معاصريه أنه يمتلك ناصية هذه القافية الشموس، مع أن تخيره لهذه القافية الوعرة صرفت روحه عن الأجواء الشعرية وشغلته عن اختيار المعاني والاتجاه للبحث عن الألفاظ المناسبة التي تتفق مع القافية، ولقد سعى ابن الفارض إلى تفريغ قلبه عن الوجود الذاتي، وقصر خطراته النفسية على شغله بمحبوبه عساه يظفر بذلك بخلوة روحية، فكل شيء في وجوده يمثل لروحه صورة الحبيب الذي يراه في ملامة العذال وفي لمع البرق وفي كل شي، ويظهر من خلال العديد من قصائده.

 

استحضاره لصورة المحبوب والصبابة القوية في شعره في كثير من الأحيان، ولم يُعرف لابن الفارض أي آثار أدبية أو صوفية سوى ديوانه الوحيد صغير الحجم الذي لم يتجاوز عدد أبياته على ألف وثماني مائة وخمسين بيتا، ويعد هذا الديوان تحفة أدبية كبيرة وتراثا روحيا خصبا وخالدا على الرغم من صغر حجمه كما ويعد أفضل الدواوين العربية من ناحية موضوعه وأسلوبه الذي يدور الشاعر فيه حول موضوع واحد وهو الشعر الصوفي في الحب والخمر، ليكون شعره بذلك مرآة صادقة انعكست على صفحتها أسلوبه وأذواقه التي خضعت لها نفسه وروحه في سبيل حبّه الإلهي، فمن الطبيعي أن يكون كذلك كونه عاش في زمن امتاز بكثرة التصنع والتكلف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى