مقال

وأنت أحييت أجيالا من الرمم

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن وأنت أحييت أجيالا من الرمم
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الحكيم العليم، دبّر بحكمته شؤون العباد، وأوضح بفضله سبيل الرشاد، أحمده سبحانه وأشكره، على نعمه وآلائه التي تزداد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزّه عن الأشباه والأنداد، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أفضل نبي وخير هاد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه، الذين نهجوا طريق السداد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد أما بعد، إن للمسجد أهمية كبيرة في الإسلام، ويكفي أن أول عمل قام به الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم بعد الهجرة هو بناء مسجد قباء ثم المسجد النبوي الشريف، ولعل في ذلك إشارة واضحة لأهمية وجود المسجد في المجتمع الإسلامي الناشئ، فلقد أقام النبي صلي الله عليه وسلم دولته في المدينة على ثلاثة أسس.

هي قوام أي مجتمع إسلامي على مدى العصور والقرون فالأساس الأول هو المسجد ليربط العبد بخالقه ورازقه، والأساس الثاني هو المؤاخاة ليربط المسلم بأخيه المسلم، والأساس الثالث هو المعاهدات ليربط المسلم بغير المسلم، وبذلك قامت الدولة الإسلامية وامتدت إلى جميع الأقطار والأمصار، وإن حضارة الإسلام التي أقامها لا تقوم إلا على المسجد، و لا تصلح إلا بالمسجد، ولا يكون لها نور إلا بالمسجد، فقد انطلقت معالم الإسلام من المسجد الذي كان أول شئ فعله بعد الهجرة، ليكون روضة من رياض الجنة، فكان شيخه وأستاذه هو من عقمت الأرحام أن تأتي بمثله هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلاميذه هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الأجلاء، وأما مواده المقررة فهي الوحي السماوي الخالد.

وأما الشهادة المطلوبة للتخرج فهي أن تكون كلمة الله هي العليا، وإن بناء المسجد لم يكن على سبيل المصادفة، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، لكنه منهج أصيل، فلا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد، أو قل لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل دور المسجد لأن المساجد الآن كثيرة، لكن الكثير منها غير مفعّل، ولا يقوم بدوره المنوط به، لقد جعل الرسول صلي الله عليه وسلم بفصاحته وبلاغته المسجد جامعة علمية، فيقول العالم الغربي كريسي موريسون وهو عالم أمريكي في كتاب الإنسان لا يقوم وحده، ليس العجب من محمد أن يبعث نبيا فقد بعث الله أنبياء قبله، ولكن العجب أن يبقى أربعين سنة لا يتعلم ثم يخرج إلى الناس فإذا هو أخطب خطيب، وأفتى مفتي، فإنها حكمة الله تعالي والمقصود أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للناس هكذا.

ثم أصبح في المسجد فإذا هو أعلم الناس والله تعالي يقول كما جاء في سورة العنكبوت ” وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون” ولو كنت تكتب لقالوا كتبت القرآن ولو كنت تقرأ لقالوا قرأت صحف الأولين، ولو كنت تقول الشعر، لقالوا نظمت كتاب الله تعالي، وإنك أتيت أميا للأمة الأمية فأخرجتها من صحراء الوثنية والتخلف، صحراء الإبل والبقر والغنم إلى ضفاف دجلة والفرات، وإلى قرطبة وسمرقند، وطشقند والسند، يهللون ويكبرون ويسبحون بحمد الله، أليست هذه معجزة؟ بل هي أكبر معجزة في تاريخ الإنسان، وليس المعجزة فقط في أن تحول الطعام القليل إلى كثير، أو تفجر من الصخر ماء، لكن المعجزة الكبرى أن تخرج أمة هي تتقاتل على موارد الشاة.

إلى أمة تتكلم بألسنة الدهر وتخطب على منابر التاريخ، وهذه أعظم معجزة له صلي الله عليه وسلم، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي أخوك عيسى دعا ميتا فقام له، وأنت أحييت أجيالا من الرمم، والمقصود أن نبي الله عيسى عليه السلام أحيا ميت بإذن الله، فأنت أحييت بإذن الله ملايين من البشر وانطلقوا من المسجد، فما من منارة في الدنيا يذكر عليها الله ويؤذن إلا واسم الرسول صلى الله عليه وسلم معه، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله مفسر مكة قوله سبحانه وتعالي ” ورفعنا لك ذكرك ” قال ما ذكرت إلا ذكرت معه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى