مقال

التشفي في مصائب الناس

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التشفي في مصائب الناس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 8 فبراير 2024

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا أما بعد إن تطييب الخواطر له أثر كبير على النفوس، يمسح المعاناة، ويصبّر، ويقوي القلب في مواجهة الشدائد، ويمنع من الانهيارات النفسية، والسكتات، والجلطات، والناس إذا ورد عليهم الوارد القوي وقلوبهم فيها ضعف ينهارون، وقد يموتون، وكما أن عكس تطييب الخاطر تماما هو التشفي، فترى بعض أصحاب النفوس المريضة يفرح برسوب أولاد الجار، أو تطاول الأبناء على أبيهم، أو مصيبة أحد زملائه في العمل، وتفرح الضرة لما أصاب ضرتها، أو الموظفة لما أصاب زميلتها في العمل من الطلاق، وكل ذلك هو كيد.

وحسد يدفع للتشفي، وهذه من صفات المنافقين، كما قال الله تعالي في سورة آل عمران ” إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ” فإن هذه المواساة، وهذا التطييب الناس بحاجة إليه عند فقد الأحبة، ورسول الله صلي الله عليه وسلم حينما ذهب يعزي صحابيا على فقد ولده الوحيد، الذي كان يأتي ويلعب في حجره في الدرس، أيسرك أنه عندك؟ أو أنك لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا ووجدته قد فتحه سبقك إليه يفتحه لك، وحين توفيت بنت المهدي الخليفة، جزع جزعا لم يسمع بمثله، فجاء الناس يعزونه بلا فائدة، حتى جاء رجل، فقال له أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجرا، وأعقبك خيرا، ولا أجهد بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها.

ورحمة الله خير لها منك، فلم يروا تعزية أبلغ، ولا أوجز منها، وعزى أعرابيا رجل فقد ولده، وكان اسم الولد العباس، فقال له خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس، فإذن صبرك عليه خير من بقائه عندك، وما عند الله خير له مما عندك، هذا يُذهب ثلاثة أرباع الحزن، المواساة الجميلة، والتعزية الحسنة، ثم من تطييب الخاطر أن يقبل الإنسان عذر المعتذر الذي أخطأ عليه، فاقبل معاذير من يأتيك معتذرا، إن بر عندك فيما قال أو فجرا، حتى لو كذب في الاعتذار، فقد أطاعك من يرضيك ظاهره، وقد أجلك من يعصيك مستترا، فإن قبول الإعتذار من تطييب الخواطر، إهداء الهدية من تطييب الخواطر، فقال أنس بن مالك لأولاده يا بني تبادلوا بنيكم، فإنه أود لما بينكم، وكذلك بشاشة وطلاقة وجه.

وقضاء حاجة، لا يأنف المؤمن أن يمشي مع الأرملة والمسكين، وقال حكيم ما أصبحت قط صباحا لم أر طالب حاجة إلا أعددتها مصيبة، ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، وقيل أن بقيّ بن مخلد الإمام المصنف في الحديث العظيم مشى مع ضعيف في مظلمة إلى اشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان، وهذه من مدن الأندلس، من بلد إلى بلد مشى، وكذلك فإن تطييب خاطر المشارك في الخير حتى لو كانت مشاركته يسيرة بدعاء، وحسن قبول، إن ذلك مما يرفع من معنوياته، ومما يحمسه على الخير، وقيل أنه أراد حسان بن سعيد المخزومي أن يبني جامعا فأتته امرأة بثوب لتبيعه، وتنفق ثمنه في بناء ذلك الجامع، وكان الثوب لا يساوي أكثر من نصف دينار، فطيب خاطرها، واشتراه منها بألف دينار، وخبأ الثوب كفنا له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى