مقال

الدكروري يكتب عن الإنتصار فى معركة الشهوات

جريدة الاضواء

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الاثنين الموافق 11 مارس 2024

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه، أما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد إن الإنتصار فى معركة الشهوات، قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن، لأنه إن انهزم فيها وفشل في مقاومتها وسلم العنان والخطام لها، أدى به ذلك دون شك إلى الانهزام فى كل معاركه الأخرى، فالشهوات حواجز تحجز عنه موارد التوفيق، وصوارف تصرفه عن النجاح فى أمر آخرته الذى هو رأس الأمر له، وما انتصر أسلافنا على أعدائهم إلا بعد ما انتصروا فى معركة الشهوات هذه، وما انهزموا وانكسرت شوكتهم إلا لما استسلموا لشهواتهم وانهزموا أمامها، وما خسارتنا للأندلس السليب إلا خير دليل على ذلك. 

فقال ابن رجب لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قدم رضا مولاه على هواه فصارت لذته في ترك شهواته لله لإيمانه باطلاع الله وثوابه أعظم من لذته فى تناولها فى الخلوة إيثارا لرضا ربه على هوى نفسه، وقال بعض السلف طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره، وسئل ذو النون المصرى متى أحب ربي؟ قال إذا كان ما يكرهه أمرّ عندك من الصبر، ولقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من العدم، ولم يكن شيئا مذكورا، فخلقه لغاية عظيمة وهي تحقيق العبودية لله سبحانه، ومن حكمة الله عز وجل أن سلط على الإنسان في هذه الحياة أعداء، وأمر بمحاربتها وجهادها، سلطت عليه امتحانا وابتلاء، وأعطى الله تعالى العبد مددا وعدة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد، وبلى كلا الفريقين بالآخر. 

وإن من أعظم ما يحتاج إلى مجاهدة النفس والشيطان، ثم الأعداء الخارجون من الكفار والمنافقين، وما لم يتمكن الإنسان من جهاد النفس ومن جهاد الشيطان، فإنه لا يمكنه مجاهدة عدوه الخارجى، أرأيتم لو أن رجلا ذهب ليجاهد الكفار ودخل أرض المعركة لقتالهم لكنه يريد بذلك رياء أو سمعة، فهل قتاله لأعداء الله هل هو جهاد في سبيل الله؟ وهل يؤجر عليه؟ كلا، بل هو وبال عليه وسيكون حسرة وندامة عليه يوم القيامة، فتبين بهذا أن جهاد أعداء الله فى الخارج فرع عن جهاد النفس والشيطان، وهذا يبين أهمية هذا الجهاد وعظم شأنه ومنزلته، فالنفس تدعو إلى الطغيان وإلى الهوى وإلى إيثار الحياة الدنيا، ولهذا أمر الله تعالى بنهيه عن الهوى، فقال سبحانه فى سورة النازعات” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى” 

فالنفس بطبعها تميل وتنجرف إلى الهوى، فهي تحتاج إلى جهاد ومجاهدة، وإلا أوقعت الإنسان في الهلاك، فيقول الله تعالى فى سورة يوسف ” إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى” وإن النفس تأمر بالشح، وعدم الإنفاق في سبيل الله، ولكن تسمح النفس ببذل الملايين في سبيل البذخ والإسراف، ولا تسمح بالقليل للفقير والمحتاج، فالنفس تكره مشقة الطاعة وإن كانت تعقب لذة دائمة، وتحب لذة الراحة وإن كان تعقب حسرة وندامة، فهى تكره قيام الليل، وصيام النهار، تكره التبكير بالذهاب للمسجد، فكم من إنسان يجلس بالساعات في المجالس وفى المقاهى وفى الأسواق وعلى الإنترنت، لكنه يبخل بالدقائق بالدقائق القليلة يجلسها بالمسجد، وإذا علم العبد أن طبيعة نفسه كذلك فينبغى له أن يعبأ نفسه لمجاهدتها حتى تستقيم على طاعة الله تعالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى