مقال

حلاوة قراءة القرآن للصائم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن حلاوة قراءة القرآن للصائم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 13 مارس 2024

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، ثم أما بعد أيها الصائمون ما أحسن قراءة القرآن للصائم فى رمضان، وما ألذ حروفه في اللسان، وألطف وقعها على القلوب حينما يفرغ البطن ويصفو العقل من كدر المأكولات والشهوات يكون للقرآن طعم آخر فالطعام والشراب والشهوة تكسب القلب قسوة، والنفس غفلة، والجوارح ثقلا وكسلا، فيأتي الصيام ليقدح الفكر، ويذهب الغفلة، وينقل القارئ الصائم إلى التفهم والتدبر، والمعرفة ورقة القلب، وهذه الحال التي يمكن للقارئ الاستفادة منها.

فالعين ترى فى تلك الصفحات المشرقة نورا يهديها إلى الطريق المستقيم، والأذن تسمع أحلى كلام يصل الأسماع، والقلب يتنعم بتلك المعانى المؤثرة التي تزرع فيه حب هذا الكتاب وحب منزله العظيم، فيعظم رجاؤه لما عند الله من الخير، ويشتد خوفه أن يصل إليه غضبه أو تناله عقوبته، والعقل يتدبر ذلك الكلام البديع الذي لا يدرك من أسراره إلا الشيء اليسير، وكلما زادت قراءته وتأمله انكشفت له حقائق ودقائق لم تكن مرت عليه من قبل، وإن القرآن الكريم لا ينفع قارئه إلا إذا تدبره، والصوم زمان خصب لتحقيق هذه الغاية الحميدة، ومن الخطأ الكبير أن يكون الهم الأكبر للقارئ فى رمضان وفي غير رمضان، الوصول إلى نهاية السورة أو نهاية المصحف بإسراع القراءة وأكل الحروف والكلمات.

وقال بعض السلف”لأن أقرأ في ليلتى حتى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة، لا أزيد عليهما أتردد فيهما، وأتفكر أحب إلى من أهذ القرآن ليلتي كلها، والقرآن إنما أنزل للتدبر الذى يعقبه العمل به، وإن تدبر القرآن يفتح لصاحبه آفاقا رحبة من الخير العاجل والآجل، فهو يريه طرق الخير وأهلها، وسبل الشر وأصحابها، فيدعوه إلى الطريق الأولى وصحبة سالكيها، ويحذره من الطريق الأخرى والهالكين فيها، ويريه حكمة المشرع المعبود سبحانه وتعالى فى نهيه وأمره، وعظمته في خلقه، وفضله فى إكرامه، وعدله فى عقابه، وقوته فى مؤاخذته، ورحمته بعباده، وسعةَ علمه في مخلوقاته، وجبروته فى قهر أعدائه، ونصرته لأنبيائه وأوليائه، وعزته ومنعته أن يناله أذى المؤذين، وقدرته أن يفوته أحد المخلوقين، وسمعه الواسع في إدراك نطق الناطقين.

وبصره النافذ العظيم أن تخفى عليه حركة أو سكون من خلقه أجمعين، فما ملئ القرآن من تدبر ألفاظه ومعانيه، وما نسى لذة القرآن من تدبر أحكامه وحكمه، وما هجر القرآن من ذاق طعمه وخالطت بشاشته قلبه، والفضيل بن عياض رحمه الله كان قبل توبته من لصوص الليل فبينا هو فى ليلة من تلك الليالى المظلمة أشرقت في قلبه آية، فبددت تلك الظلمات، إذ رقى تلك الليلة بيتا فسمع قارئا يقرأ قول الحق سبحانه وتعالى ” ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون” فقال بلى، والله قد آن، فنزل وتاب وصار يضرب بعبادته وصلاحه المثل بعد ذلك، رحمه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى