مقال

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 3”

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 3”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع هارون الرشيد وحادثة البرامكة، و معبد النوبهار هو أحد أشهر المعابد في مدينة بلخ في بلاد فارس، وكان برمك جد البرامكة من كبار سدنة المعبد وتبعه في ذلك بنوه من بعده، وقد أسلم من ذريته من أسلم، وهم من الذين تزعموا الحراك العباسي في خراسان، حيث كان خالد بن برمك من كبار الدعاة إلى الخلافة العباسية في بلاده، وقد اصطفاه الخليفة العباسي أبو العباس السفاح ليكون وزيرا له، وكانت أسرة البرامكة غرة على جبين الدولة العباسية، لما كان لها من المآثر والفضائل والسخاء الشديد، والأعمال العظيمة في الدولة وخاصة أيام هارون الرشيد، فيحيى بن خالد البرمكي كان مسؤولا عن تربية الرشيد، وزوجته ومرضعته، وقد حافظ لهارون على ولاية العهد عندما هم موسى الهادي بخلع أخيه الرشيد.

 

وهو الذي قام على أمر وزارة الرشيد حتى فوض له هذا الأخير كل الأمور، وأما ابنه الأول الفضل البرمكي فكان أخا الرشيد في الرضاعة، وهو المسؤول عن تربية الأمين بن هارون الرشيد، واستطاع أن يقضي على فتنة يحيى بن عبد الله في بلاد الديلم، وقد تولي خراسان وغيرها، واتخذ من جندها جيشا كبيرا تعداده خمسين ألف جندي، وجعل ولاءهم له مباشرة، وسماهم العباسية، أما جعفر بن يحيى البرمكي فهو نديم الرشيد وخليله في المجالس، فقد قضى على العصبية القبلية في الشام سنة مائه وثمانين من الهجره، ثم جعل له الرشيد ولاية خراسان والشام ومصر، وجعله مسؤولا عن تربية ابنه المأمون، وأما موسى، الابن الثالث ليحيى البرمكي، فكان قائدا عسكريا كبيرا، وتولى أمر الشام سنة مائه وسته وثمانين من الهجره، وفي حين أن محمد الابن الرابع لم يكن له ذكر معلوم في التاريخ.

 

ودوره في فترة وزارة البرامكة يحيطه الغموض، وقد استمر البرامكة في وجودهم في مركز صناعة القرار حتى كانت نهايتهم في عهد الخليفة هارون الرشيد الذي قضى عليهم في حدث تاريخي يُسمى نكبة البرامكة، حيث اختلف المؤرخون فيما بينهم في السبب الذي دفع الرشيد إلى التخلص منهم على الرغم من أعمالهم العظيمة، وقد انتهت النكبة بقتل جعفر بن يحيى وسجن البرامكة عام مائه وسبعة وثمانين من الهجره، وكان سبب ذلك هو وكان يحيى بن عبد الله الطالبي الذي خرج إلى بلاد الديلم ودعا لنفسه هناك، وبايعه كثير من الناس، وقويت شوكته، وذلك سنة مائة وسنة وسبعون من الهجرة، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى، واستطاع الفضل أن يستنزل يحيى بالسلام على أمان له عند الرشيد، وذلك من غير أن تراق نقطة دم، وعُدَّ ذلك من أفضل أعمال الفضل.

 

وبعد فترة ظهر من يحيى ما أوجب عند الرشيد نقض الأمان، فأمر بحبسه عند جعفر بن يحيى، وفي ذات ليلة اجتمع يحيى مع جعفر، وما زال به حتى أطلقه جعفر وزوده بالمال اللازم لخروجه من بغداد، فوصل الخبر للرشيد، وكان ذلك يعد خيانة عظمى عند العباسيين لشدة خوفهم من الطالبيين، فخاف الرشيد من تآمر آل برمك مع الطالبيين من أجل إقصاء العباسيين، فأمر بقتل جعفر وحبس باقي الأسرة، وقد ذكر في أصل البرامكة عدة أقوال، منها أن أصل البرامكة كانت من بيوتات بلخ، وكان جدهم برمك من مجوس بلخ وهو من بلدات أفغانستان الآن، وكان يخدم النوبهار، واشترك برمك وبنوه بسدانته، وكان برمك عظيم المقدار عندهم، والنوبهار كان معبدا للمجوس بمدينة بلخ، توقد فيه النيران، وروى أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي أن النوبهار بناه منوشهر بمدينة بلخ.

 

من خرسان على اسم القمر، وكان من يلي سدانته تعظمه الملوك في ذلك الصقع، وتنقاد لأمره وترجع إلى حكمه، وتحمل إليه الأموال، وكان الموكل بسدانته يدعى البرمك، وهذه سمة عامة لكل من ولي سدانته، ومن أجل ذلك سمي البرامكة بهذا الاسم، لأن خالد بن برمك كان من ولد من كان على هذا البيت، وكان بنيان البيت من أعلى البنيان تشييدا، وكانت تنصب على أعلاه الرماح عليها شقاق الحرير الخضر، طول الشقة مئة ذراع فما دون، في حين يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان أن البرامكة أهل شرف على وجه الدهر في بلخ مثلهم مثل ملوك الطوائف في الأندلس، وكان دينهم عبادة الأوثان، فوصفت لهم مكة وحال الكعبة بها، وما كانت قريش ومن والاها من العرب يأتون إليها ويعظمونها، فاتخذوا بيت النوبهار مضاهاة لبيت الله الحرام، ونصبوا حوله الأصنام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى