مقال

طليحة بن خويلد الأسدى ” الجزء الثانى “

طليحة بن خويلد الأسدى ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع طليحة بن خويلد الأسدى، وكان طليحة يقول إن جبرائيل يأتينى، وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول إن الله لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا الله أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيئ، فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيئ على حدود أراضيهم، وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة بن سعد ومرة بالأبرق من الربذة، واجتمع إليهم ناس من بني كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلى من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم، فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها، وجعل أبو بكر بعد مسيرة الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذي حسى، ليكونوا لهم ردءا، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسى، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض.

فنفرت إبل المسلمين وهم عليها، ورجعت بهم إلى المدينة، ولم يصرع مسلم، وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليها، وبات الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه يعبي الناس، وخرج على تعبية يمشى، وعلى ميمنته النعمان بن مقرن، وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد بن مقرن، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون، فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة ، وازداد المسلمون قوة وثباتا، وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل كانت غزوته وعوده في أربعين يوما، فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر الصديق رضى الله عنه على المدينة وجنده معه، ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبى وقال لأواسينكم بنفسي وسار إلى ذي حسى وذي القصة حتى نزل بالأبرق، فقاتل من به، فهزم الله المشركين وأخذ الحطيئة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر الصديق رضى الله عنه بالأبرق أياما.

وغلب على بني ذبيان وبلادهم، وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم، ولما انهزمت عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر الصديق رضى الله عنه إلى المدينة، فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم قطع أبو بكر الصديق رضى الله عنه البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، وعقد لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وعقد للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي، ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد، وبعثه إلى مشارف الشام، وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة، وأمرهما أن يجتمعا وكل واحد منهما على صاحبه في عمله، وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقاتل أهل الردة، وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرمي وأمره بالبحرين ، ففصلت الأمراء من ذي القصة، ولحق بكل أمير جنده، وعهد إلى كل أمير، وكتب إلى جميع المرتدين نسخة واحدة، يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله، ولما انهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلى طليحة ببزاخة.

فأرسل إلى جديلة والغوث من طيئ يأمرهم باللحاق به، فتعجل إليه بعضهم، وأمروا قومهم باللحاق بهم، فقدموا على طليحة، وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيئ، وأتبعه خالد بن الوليد رضى الله عنه، وأمره أن يبدأ بطيئ، ومنهم يسير إلى بزاخة، ثم يثلث بالبطاح، ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له، وأظهر أبو بكر الصديق رضى الله عنه للناس أنه خارج إلى خيبر بجيش حتى يلاقي خالد بن الوليد، يرهب العدو بذلك، وقدم عدي على طيئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه وقالوا له استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم، فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيئ إلى خالد بن الوليد رضى الله عنه بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في أرض طيئ وأعظمه بركة عليهم، وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة، فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة، وقتل أخوه ثابتا، ورجعا، وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيئ، فقالت له طيئ نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا، فقال أي الطائفتين شئتم، فقال عدي بن حاتم، لو نزل هذا على الذين هم أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم عليه، والله لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم، فقال له خالد بن الوليد إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأى أصحابك.

وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبى لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من تكون الدائرة، قال فاقتتل الناس على بزاخة، وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا، وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كر عيينة على طليحة وقال له هل جاءك جبرائيل بعد ؟ قال لا، فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له لا أبا لك أجاءك جبرائيل ؟ قال لا، فقال عيينة حتى متى ؟ قد والله بلغ منا ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال هل جاءك جبرائيل ؟ قال نعم، قال فماذا قال لك ؟ قال، قال لى إن لك رحا كرحاه وحديثا لا تنساه، فقال عيينة قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس، وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته، ثم نجا بها وقال يا معشر فزارة، من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل، ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب، فأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وكان خرج معتمرا في إمارة أبي بكر الصديق رضى الله عنه ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر الصديق رضى الله عنه هذا طليحة، فقال ما أصنع به ؟ قد أسلم، ثم أتى عمر فبايعه حين استخلف، فقال له أنت قاتل عكاشة وثابت ؟ والله لا أحبك أبدا، فقال يا أمير المؤمنين، ما يهمك من رجلين أكرمهما الله بيدي، ولم يهني بأيديهما فبايعه عمر وقال له ما بقي من كهانتك ؟

فقال؟ نفخة أو نفختان بالكير، ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق، ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم به على أبي بكر، فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف يا عدو الله ، أكفرت بعد إيمانك ؟ فيقول والله ما آمنت بالله طرفة عين، فتجاوز عنه أبو بكر الصديق رضى الله عنه وحقن دمه، وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد بن الوليد عما كان يقول ، فقال إن مما أتى به ” والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام” قال ولم يؤخذ منهم سبي، لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشية على عيالاتهم، فآمنهم، وقد قال القائد خالد بن الوليد لبعض أصحاب طليحة ممن أسلم وحسن إسلامه أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من الوحي فقال له إنه كان يقول ” والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام” إلى غير ذلك من الأقوال العجيبة، وقد عاد طليحة بعد ذلك وأسلم وحسن إسلامه، ثم اتجه إلى مكة يريد العمرة في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه واستحيا أن يواجهه مدة حياته، ثم خرج مرة أخرى مُحرما في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال له عمر أَنت قاتل الرجلين الصالحين، يعني ثابت بن أقرم وعكاشة؟ فقال طليحة :َكرمهما الله بيدى، فقال والله لا أحبك أبدا، قال فمعاشرة جميلة يا أمير المؤمنين، فإن الناس يتعاشرون مع البغضاء، وأَسلم طليحة إِسلاما صحيحا، وكان له في قتال الفرس في القادسية بلاء حسن.

وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إِلى النعمان بن مُقرن رضي الله عنه “أَن استعن في حربك بطليحة وعمرو بن معديكرب، واستشرهما في الحرب، ولا تولهما من الأَمر شيئا، فإِن كل صانع أَعلم بصناعته ” وهذا من فقه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لأن الذى جعل طليحة يدعى النبوة حبه للرياسة والزعامة، ولما كان يوم أرماث قام طليحة في بني أسد يدفعهم إلى القتال وإلى الدفاع عن الإسلام والمسلمين يقول “ابتدئوا الشدة، وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة، فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعلة الأسد” ثم بارز الفرس وقادتهم وعلى رأسهم “الجالينوس” فقتل منهم وأصاب، وفي يوم عمواس كان مقداما لا يهاب الموت، وهاجم الفرس وحده من خلفهم ثم كبر ثلاث تكبيرات ارتاع لها الفرس، فظنوا أن جيش الإسلام جاءهم من ورائهم، وفي القادسية خرج هو وعمرو بن معد يكرب وقيس بن المكشوح للاستطلاع، فخاض في الماء يريد الوصول إلى معسكر رستم قائد الفرس، وهو يركب فرسا من خيلهم، وخرج الفرس في أثره، فقتل منهم اثنين من خيرة قادتهم وفرسانهم، ثم أسر الثالث وسار به حتى وصل معسكر المسلمين، فدخل على سعد فقال له سعد “ويحك ما وراءك؟” قال طليحة “أسرته فاستخبره فاستدعى سعد المترجم” فقال الأسير “أتؤمنني على دمي إن صدقتك؟” قال سعد “نعم” قال “أخبركم عن صاحبكم قبل أن أخبركم عمن قبلى” ثم راح يحدثهم عن بطولة وشجاعة طليحة النادرة، واختراقه معسكرا فيه ما فيه من الجنود والقادة، وشهد له بأنه يعدل ألف فارس، ثم أسلم هذا الأسير، وحسن إسلامه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى