مقال

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء الثانى والعشرون “

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء الثانى والعشرون “
إعداد / محمــــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى والعشرون مع الحلال بيّن والحرام بيّن، وقد توقفنا مع إذا أردت أن تقنع ضعاف الإيمان فإنك تحتاج إلى التعليل، لكن لو فرضنا أن الإنسان لم يعرف التعليل ألا ينبغى أن ينفذ الأمر الإلهي؟ ولا ينبغي أن تعلقه على التعليل، ولكن التعليل يقوى إيمانك، فإن التعليل يجعل الشريعة معقولة، والتعليل يجعلك تعلم الناس، أما المؤمن الصادق فلأن الله أمر انتهى، ولأن الله نهى انتهى، وعلة أى أمر أنه أمر، ولكن هذه الدابة إذا ماتت دمها فيها، فإن كل الأمراض والأوبئة وعوامل الضعف فى الدم، فإذا بقى الدم في الدابة فقد أصبحت مؤذية في تناولها، فلذلك قيل أنه صدر قانون فيدرالي يمنع قطع رأس الذبيحة على مستوى أمريكا كلها، فحين يقطعون رأس الذبيحة القلب يضرب الضربات النظامية وهى ثمانون ضربة وهذه الضربات النظامية لا تكفى لإخراج الدم، فتبقى الذبيحة زرقاء الدم، وطعمها غير مستساغ، فقد عرفوا هذا من التجربة عادوا إلى الشرع مقهورين لا متعبدين، لكن إذا قطعت أوداج الذبيحة جاء الأمر الاستثنائي من الدماغ إلى القلب.

ورفع الضربات إلى مئة وثمانين ضربة، وهى تخرج الدم كله من الذبيحة، وهم بالتجربة وجدوا أنه لابد أن تكون الذبيحة خالية من الدم، وقد كانت كل الطرق القديمة في المسالخ الأجنبية تقطع الرأس كالمقصلة تماما، ولكن الآن منع قطع الرأس ليبقى الأمر الاستثنائى من الدماغ سارى المفعول، حتى القلب يضخ الدم كله خارج الذبيحة، ولكن هنا سؤال وهو هل فى عهد النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبعد عهد النبى صلى الله عليه وسلم وإلى قبيل خمسين عاما، هل يمكن أن يعرف الإنسان ما حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر بعدم قطع رأس الذبيحة وبقطع أوداجها فقط؟ وهذا ليس من عند النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا وحى يوحى، وسوف ترون أنه كلما تقدم العلم وتم كشف عن إعجاز هذا التشريع، ولا يستبعد أن تروا يوما العالم كله يطبق أحكام الشريعة الإسلامية، ربما ليس عن تعبد لله عز وجل، ولكن العلم يصل إلى أن هذا الذى وصل إليه القرآن الكريم وهو عين الحقيقة، ولذلك الميتة حرمت، فقيل أن هناك تعليل لهذا التحريم

وإن الطبع السليم يتقزز من أكل الميتة، والإنسان تعاف نفسه أن يأكل لحم دابة ماتت، والإنسان بفطرته، وطبيعته، وعقلانيته، يرفض أكل لحم الميتة، والله عز وجل حرمه، وهذا شيء طبيعي أن يتوافق النقل مع العقل، ومع الفطرة، ومع الواقع، وشيء طبيعى وهذا هو الحق، وهناك تعليم لطيف أن الإنسان ينبغى أن تكون أعماله كلها هادفة، فهو حين يذبح هذه الدابة يذبحها ليأكلها، فأصبحت أعماله هادفة لا يوجد عنده عمل عشوائى، وإن الدابة الميتة تجلب الأمراض، فهذا هو الشيء الآخر، وهو أنه عندما تموت الدابة، أى ماتت لعلة، لمرض، أو لجرثوم، أو لتسمم، فالدابة الميتة مظنة مرض، ومظنة خطر على الإنسان، وهذه علة أخرى، وهناك شيء ثانى دقيق جدا وهو أن البهائم التي خلقها الله عز وجل تأكل الميتة، وأجسامها مهيأة بعصارات هاضمة تهضم اللحم المتفسخ، وتراه طعاما لذيذا، فعندما حرم الله عز وجل علينا أكل لحم الدابة الميتة أتاح للدواب أن تأكل القمح وهو غذاء كامل للإنسان، وهناك حكمة بالغة ترى سنبلة ولها ساق.

فقد تعجب أن القمح غذاء كامل للإنسان، ولكن أن القمح هو غذاء كاملا فيه ستة معادن، خمسة فيتامينات، ومواد نشوية وأما هذا الخبز الأبيض فهذا غراء جيد للمعدة وقالوا احذروا السموم البيضاء، وهى الطحين الأبيض، والملح الأبيض، والسكر الأبيض، وهذه سموم ثلاثة، وإن الطبع السليم يستقذر، والعاقل تعاف نفسه، والدابة الميتة دمها فيها، وماتت لعلة، أو مرض خطير، أو لتسمم، وفوق هذا وذاك الله عز وجل حين حرمها علينا، أباحها لبقية البهائم من أجل أن تكون طعاما لها، وأما عن السنبلة فإن فيها الغذاء الكامل للإنسان فهل تصدقون أن ساق السنبلة غذاء كامل للحيوان؟ لذلك فإن التبن يعد المادة الأساسية للحيوان، ويقولون إن هناك زراعة إستراتيجية هي القمح، والبهائم طعامها الإستراتيجى التبن، فساق القمح غذاء أساسى وكامل، والقمح غذاء كامل لنا فقال الله عز وجل فى سورة النازعات ” متاعا لكم ولأنعامكم” وكذلك أيضا فتحريم أكل الميتة يدفع الإنسان ليحافظ عليها وهي حية، فالحيوان إذا ذبح فهو لنا، فإذا مات فلغيرنا.

وإن هناك شيء ثانى وهو أن الدابة إذا ماتت يحرم أن تأكلها، وهناك توجيه تربوي رائع أيها الإنسان احرص على حياتها، وعالجها من أمراضها، وأطعمها، واعتنى بها، فإذا ماتت خسرتها، ولا يسمح لك بأكلها، وهذا توجيه تربوي رائع جدا، فهذه البقرة مهما كان ثمنها المادى فإذا ماتت لا تستطيع أكلها أبدا ومصيرها إلى الدفن، ومعنى ذلك أنت من أجل أن تحافظ على ثمنها، وعلى مردوها، فعليك أن تعتني بها، ولو أنه سمح أن نأكل الميتة لما اعتنيت بها، تأكلها، ويقول ثمنها موجود، أما لأن الدابة الميتة لا تؤكل، ومحرم أكلها، فعليك أن تعتني بها، أن تطعمها، أن تعالجها من أمراضها، أن توفر لها حاجاتها، إذن أكبر دافع للإنسان كى يعتني بالحيوان أنه إذا مات هذا الحيوان حرم الله عليه أن يأكله، وهناك أشياء أخرى لا نعلمها الله يعلمها، أما إذا أمر الله بشيء فالأشياء من هذا الأمر لا تعد ولا تحصى، والإنسان يشتغل ويعرف بعض الحكم، ولكن ماذا يستنبط من كلمة ” أو دما مسفوحا”؟ فقيل أن هناك رجل كان سبب إسلامه كلمة ” أو دما مسفوحا”

وهو أن الله عز وجل لم يقل دما، ولكن قال تعالى دما مسفوحا، فماذا نستنبط من كلمة دما مسفوحا؟ وهو أن الدم في الجسم يصفى عن طريق الرئتين، فالإنسان يستنشق الأوكسجين ويطرح غاز الفحم، وغاز الفحم من أين هو؟ هو نتائج احتراق المواد السكرية والدسمة في الخلايا البشرية بالأوكسجين، والأوكسجين يحرق المواد الدسمة والبروتينية، وفضلات غاز الفحم تطرح عن طريق الرئتين، والإنسان يتنفس أى تطهير دائم للدم من غاز الفحم، والكليتان ماذا تفعلان؟ تطهران الدم من كل السموم، والأوبئة، والسكر الزائد، فإن الكلية مصفاة ولكنها حية، وسائل فيه سكر وملح وبروتين، ومواد لا يعلمها إلا الله تعالى، وتختار النسب النظامية، سبعة بالألف سكر، بروتين، بوتاسيوم، والباقي بول، وأى نسب غير نظامية، أو سامة، أو مواد وفضلات تطرح في البول، إذن الكليتان تنقيان الدم، والرئتان تنقيان الدم، وملايين الغدد العرقية تنقي الدم، فهن ثلاث مصافى،الكليتان والرئتان والغدد العرقية وهذه كلها تنقى الدم، والدم يجرى فهو طاهر.

أما إذا سفح الدم فصار نجسا، فالميتة حرمت لعلة بقاء الدم فيها، فالأصل هو الدم سبب التحريم والدم المسفوح أيضا، فإن الإنسان كل عوامل ضعفه، وعوامل المرض كلها في دمه، وأهل الجاهلية قبل الإسلام كان إذا جاع الرجل يأتي بعظم مدبب مؤنف مثل السكين يدخله في جسم الجزور وهى الناقة ويأخذ الدم فيشربه، وهذا شيء واقع في الجاهلية، حتى قال الأعشى وإياك والميتات لا تقربنها ولا تأخذن عظيم حديد فتفصد، وكان الإنسان في الجاهلية يدخل العظم المؤنف إلى جسم الدابة ليشرب من دمها أي بمثابة غذاء، والدم محرم، وأما عن الحكمة من تحريم لحم الخنزير، فإن لحم الخنزير حرام، والخنزير يأكل اللحوم، ويأكل اللحوم القذرة، وأطيب أكلة عنده الجرذان، ويأكل الخنزير الميت، ويأكل الفطائس، واللحوم المتفسخة، فإذا جعلناه في مزارع وضبطنا غذاءه لا يصبح حلالا، لأن له وظيفة أخرى، ووظيفته أن ينقى الأرض من الجيف، وهذه وظيفته، فالإنسان لجهله صار يأكله، والحديث عن مضار لحم الخنزير وهو بأن فيه دودة شريطية تعيش في لحمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى