مقال

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء السادس عشر

 

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس عشر مع الحلال بيّن والحرام بيّن، فإن العلماء لا يفتون إلا بما كان فيه دليل قطعي، لذلك روى الإمام الشافعي في كتابه الأم عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال “أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتية” وإن الحقيقة أجرؤوكم على الفتية، فقد أجرؤوكم على النار، وأن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، كلمة كبيرة جدا، وأن تقول هذا حلال وهذا حرام، طبعا إذا كان هناك دليل يقينى كالشمس تقول له هذا حلال، وإذا قال لك اسرق، تقول له حرام، طبعا القصد هنا الشبهات، قال هؤلاء العلماء الورعون يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بيّن بلا تفسير، إنما حرم عليكم الميتة أي أَكل لحمٍ ميتٍ، فإن كان الشيء بيّنا كالشمس قل هذا حرام وهذا حلال، وإن كان الشيء مختلفا عليه لا تقل هذا حرام وليس معك دليل، هؤلاء العلماء يخشون أن يفتوا، أن يقولوا هذا حرام وهذا حلال، طبعا إذا كان هناك دليل يقيني أن هذا حلال وهذا حرام فلابأس، إذا قال لك اسرق، تقول له هذا حرام القصد هنا الشبهات.

 

وقال هؤلاء العلماء الورعون يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان فى كتاب الله عز وجل بينا بلا تفصيل، ويقول الله تعالى فى سورة البقرة ” إنما حرم عليكم الميتة” وهذا يدل على أن أكل لحم الميتة حرام، فالشيء إذا كان بيّنا كالشمس قل هذا حلال وهذا حرام، وإذا كان مختلفا عليه لا تقل هذا حرام وليس معك دليل، وإن ترفع العلماء عن قول هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعى، فقال أحدهم حدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم وكان من أفضل التابعين أنه قال إياكم أن يقول الرجل إن الله أحلّ هذا أو رضيه، فيقول الله له” لم أحل هذا ولم أرضه، و يقول إن الله حرم هذا، فيقول الله ” كذبت لم أحرمه” وقال بعض العلماء عن إبراهيم النخعى أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا هذا مكروه وهذا لا بأس به، فأما نقول هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا، فإن كلمة حلال شيء مشتبه فيه، وكلمة حرام شيء مشتبه به، وكان العلماء الورعون يترفعون على أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعى.

 

لذلك قال بعض العلماء إن السلف الصالح لم يطلقوا الحرام إلا على ما عمل تحريمه قطعا، أو افعله ولا بأس، نرجو الله أن يغفر لك به، لا تقل هذا حلال أو حرام لشيء ليس فيه دليل قطعي هذا من الورع، وطبعا إذا كان الشيء فيه دليل بيّن كالشمس وقال هذا حرام لقوله تعالى حرمت عليكم كذا وكذا أو هذا حلال لا يوجد مانع، أما في الشبهات فقبل أن تقول هذا حرام بسرعة أو هذا حلال تريث، قل لا يعجبني، لا أستحسنه، لا أرتاح له، افعله ولا بأس نرجو أن يغفر الله لكم، لا تقل هذا حلال أو هذا حرام لشيء ليس فيه دليل قطعى، هذا من الورع، لذلك أنا لا أرى كلمة جبن بمعنى الخوف تليق بالإنسان إلا في موضع الفتوى إذا قلت جبانا في الفتوى، هذا مديح وليس ذما، لأن الفتوى خطيرة، وقيل أنه جاء وفد من المغرب، سار ثلاثة أشهر حتى وصل إلى بلاد الإمام أحمد بن حنبل، ومعهم ثلاثون سؤالا، أجابهم عن سبعة عشر سؤالا والباقى قال لا أعلم، قالوا معقول الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم؟ قال لهم قولوا لهم الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم، وهكذا كان السلف الصالح.

 

كان ورع جدا أى لا يتكلم كلمة إلا إن كان متأكدا منها، لأن تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر فإن القاعدة الثالثة تقول أن تحريم الحلال أو تحليل الحرام قرين الشرك، بل إن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم خصّ تحريم الحلال بحديث خاص فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم “هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون” رواه مسلم، ولكن من هم المتنطعون؟ فإنهم الذين يسارعون أن يقولوا كلمة حرام على ما أحله الله، فإن الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا وخبير في أمور الآخرة، فإن الإنسان عندما يضيق على نفسه ولا يسأل، فأنت تحتاج إلى خبير في الحياة، وخبير في الدنيا، والآية الكريمة فى سورة النحل قال تعالى ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” وأنت بحاجة ماسة إلى خبير في الآخرة لقوله تعالى فى سورة الفرقان ” فاسأل به خبيرا” فإن مفتاح العلم السؤال، ففى قضايا الدنيا يجب أن ترجع إلى مؤمن خبير في الدنيا، وفي أمور الآخرة يجب أن ترجع إلى إنسان خبير في موضوع الآخرة.

 

ومفتاح العلم السؤال، وأنت إذا سألت استعرت عقل الرجل، عقله كله، خبراته استعرتها بسؤال، اسأل، وقيل أن فتاة في ريعان الشباب عقد قرانها شعرت بألم في ثديها، فأشير عليها باستئصاله لأن به ورما خبيثا، فالطبيب قال جاءت لي هذه الفتاة لأجرى عليها أشعة لئلا يعاود هذا المرض الظهور مرة ثانية، فحصت النسيج الذى استأصل منه الثدى فلم أجد شيئا، فمن شدة هول الموقف قال الطبيب ركبت سيارتي واتجهت إلى هذا الطبيب الجراح الذى استأصل الثدى، قلت له انظر إلى النسيج أنت حولت هذه الفتاة إليّ كي أجرى عليها الأشعة، وهذه الأشعة ربما أضرت برئتيها، فهل تريد أن تضيف إلى الخطأ الأول خطأ ثانياً؟ قال فلما تأمل الطبيب الجراح بالنسيج الذى استأصل منه الثدى تراجع عن موقفه وقال معك حق، فهذا الطبيب قال أرجو ألا تسمح لإنسان باستئصال جزء من جسمك إلا بعد مشاورة عدة أطباء، فإن الاستئصال ليس له حل، وإن كان هناك استئصال فلابد من طبيبين أو ثلاثة فإذا توفرت آراؤهم نفعل، فإن الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا.

 

وبحاجة إلى خبير في أمور الآخرة، والقضية قضية ثقة من دون رسوم ” فاسأل به خبيرا” أو كما قال تعالى ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” فإن هذا دين، يا ترى هذه حلال؟ حرام؟ يجوز؟ لا يجوز؟ ترضي الله؟ لا ترضي الله؟ أفعل هذا؟ لا أفعل هذا؟ والنبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال” إني خلقت عبادى حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا” أى بمعنى فطرتهم سليمة فطرتهم متوافقة مع الدين الحنيف، فإن للإنسان فطرة سليمة متوافقة مع الدين، فالأصل للإنسان فطرة سليمة متوافقة مع الدين، لكن الشياطين اجتالتهم فشوهت أمامهم معالم الدين، حرمت عليهم ما أحلّ الله، مثلا امرأة يمكن أن ترضى من زوجها أن يزنى ولا ترضى لزوجها أن يتزوج امرأة ثانية، هناك من بين المسلمات من يرضون شيئا مشروعا، وقيل أنه ذان مرة سألوا عالمة في علم النفس عن رأيها في التعدد فقالت كيف يكون لي رأى في هذا الموضوع

 

وقد أباحه الله عز وجل؟ لا أقول الله أوجبه، وأباحه في ضرورة، مثلا امرأة لا تنجب أيعقل أن نلقيها في الطريق من أجل أن نتزوج امرأة تنجب؟ لا أبدا، نقترن بامرأة تنجب، أو امرأة مريضة في ظروف معقدة جدا، صعبة جدا، وهذا الشرع ليس لإنسان أو إنسانين بل لكل المسلمين، فلذلك يقول الله تعالى فى سورة الأحزاب” وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيره من أمرهم” فمن طرح موضوعا بتّ فيه الشرع فقد أشرك، فإنه لمجرد أن تطرح موضوعا على بساط البحث بت فيه الشرع فأنت لست بمؤمن، قضية حكم فيها الشرع أحلها الله أو حرمها الله، لذلك تحريم الحلال قانون الشرك، وتحليل الحرام قانون الشرك، لنضرب مثلا قال الله عز وجل فى سورة المائدة ” ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعلمون” وهكذا فإن ما بت فيه الشرع قطعي لا جدال فيه، ولكن ما هي البحيرة؟ قال إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكرا شقوا أذنها، ومنعوا ركوبها، وتركوها لآلهتهم هذه بحيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى