مقال

عرفجة بن هرثمة ” الجزء السادس

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع الصحابى عرفجة بن هرثمة، وكان عرفجة الوحيد من بينهم الذي سبق له غزو فارس من البحرين بالسفن، وافتتح جزيرة مما يلى بلاد فارس، وبمشورة عرفجة سار أبو سبرة بالجيش، وساحل بهم لا يعرض له أحد، حتى التقوا بالمسلمين الذين بعثهم العلاء وحوصروا بفارس وكان قد تداعى عليهم أهل فارس من كل ناحية، وكان على أهل فارس وإصطخر الأمير شهرك، فتوافت إلى المسلمين أمدادهم مع أبي سبرة وعرفجة وبقية القادة فاقتتلوا، وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا، ثم انكفأوا بما أصابوا، وكان عتبة بن غزوان كتب إليهم بالحث، فرجعوا إلى البصرة سالمين، ولما رجع ذلك الجيش إلى البصرة، سار عتبة بن غزوان من البصرة لأداء فريضة الحج، وبينما هو راجع من الحج قاصدا البصرة مات في الطريق في ذي الحجة فى السنة السابعة عشر من الهجرة وقال الطبرى ولما أحرز عتبة الأهواز وأوطأ فارس، واستأذن عمر بن الخطاب فى الحج فأذن له، فلما قضى حجه استعفاه، فأبى أن يعفيه.

 

وعزم عليه ليرجعن إلى عمله، فدعا الله ثم انصرف، فمات في بطن نخلة فدفن وكان عرفجة بن هرثمة البارقي من كبار القادة المستشارين في ولاية عتبة بن غزوان للبصرة من سنة أربعة عشر من الهجرة وحتى وفاة عتبة فى السنة السابعة عشر من الهجرة، وقال ابن الأثير قيل كان فتح رامهرمز وتستر والسوس في سنة سبع عشرة من الهجرة، وقيل سنة تسع عشرة، وقيل سنة عشرين، ولا يمكن الجزم بسنة فتوح خوزستان إلا أنها حدثت بعد وفاة عتبة بن غزوان أواخر فى السنة السابعة عشر من الهجرة وبالتحديد في ولاية أبو موسى الأشعرى على البصرة، وقال ابن كثير ولما استكمل عتبة فتح تلك الناحية، استأذن عمر في الحج فأذن له، فسار إلى الحج، فمات ببطن نخلة، وهو منصرف من الحج، فتأسف عليه عمر، وأثنى عليه خيرا، وولى بعده بالبصرة المغيرة بن شعبة، فوليها بقية تلك السنة والتي تليها، لم يقع في زمانه حدث، ثم بعث إليها أبا موسى الأشعرى واليا عليها، وإن الصواب أن فتوح خوزستان ابتدأت من السنة الثامنة عشر من الهجرة.

 

ولم تنتهي إلا سنة عشرين من الهجرة لعظم تلك الناحية، وفي ذلك قال الذهبى عن الحسن قال حوصرت تستر سنتين، وعن الشعبى قال حاصرهم أبو موسى ثمانية عشر شهرا” وإن فتوح خوزستان مهدت الطريق في سقوط الإمبراطورية الفارسية سنة واحد وعشرين من الهجرة فى موقعة نهاوند، وكان عرفجة بن هرثمة من كبار القادة فى ولاية أبى موسى للبصرة وفي فتوحاته لإقليم الأهواز وتستر ورامهرمز في خوزستان، وشهد معه فتح نهاوند، وقال ابن خلدون وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى أن يبعث كذلك جندا كثيفا مع سعد بن عدى أخى سهيل ويكون فيهم البراء بن مالك ومجزأة بن ثور وعرفجة بن هرثمة وغيرهم وعلى الجندين أبو سبرة بن أبي رهم، ويتبين من مجمل ذلك أن عرفجة كان خامس خمسة قادة انطلقوا بذلك الجيش العربى الإسلامى من البصرة إلى رامهرمز سوق الأهواز، وكان إلى جانبه كبار الصحابة من الأنصار، وقد استقر يزدجرد بمدينة مرو بعد خروجه من المدائن وانتقاله من مدينة إلى أخرى.

 

وكان يعمل على إثارة أهل فارس للدفاع عن بلادهم ولاسترجاع ما خسروه منها واثمرت محاولاته في توحيد جهود الفرس وأهل الأهواز في سبيل صد عدوهم المشترك، فأخبر قادة المسلمين في منطقة الأهواز عمر بن الخطاب باجتماع كلمة اتباع كسرى على قتال المسلمين، فما كان من عمر إلا أن بعث الجيوش من الأمصار إلى الأهواز ليصد طموح يزدجرد، قال ابن الأثير وكان سبب فتحها أن يزدجرد لم يزل وهو بمرو يثير أهل فارس أسفا على ما خرج من ملكهم، فتحركوا وتكاتبوا هم وأهل الأهواز، وتعاقدوا على النصرة، فكتبوا إلى عمر بالخبر، فكتب عمر إلى سعد أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا مع النعمان بن مقرن، وعجل فلينزلوا بإزاء الهرمزان ويتحققوا أمره، وكتب إلى أبي موسى الأشعرى أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا، وأمر عليهم سهل بن عدى أخا سهيل، وابعث معه البراء بن مالك ومجزأة بن ثور وعرفجة بن هرثمة وغيرهم، وعلى أهل الكوفة والبصرة جميعا أبو سبرة بن أبي رهم، وقد خرج النعمان بن مقرن.

 

بأهل الكوفة إلى الأهواز، ثم سار نحو الهرمزان وهو يومئذ برامهرمز، فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه، بادره بالقتال ورجا أن يهزمه، وقد طمع في نصرة أهل فارس الذين نزلت أوائل إمدادهم بتستر، فالتقى النعمان والهرمزان، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهُزم الهرمزان وأخلى رامهرمز وتركها ولحق بتستر وبها جنوده من أهل فارس وأهل الجبال والأهواز، ولما وصل أبو سبرة بن أبى رهم على أهل البصرة ومنهم عرفجة بن هرثمة والبراء بن مالك ومجزأة بن ثور السدوسي إلى سوق الأهواز وعلموا بأن الهرمزان لحق بمدينة تستر، فقصدوها، وقصد المسلمون مدينة تستر وتحشدت حولها كافة قوات المسلمين الموجودين في تلك المنطقة، ثم استمد أبو سبرة عمر بن الخطاب، فأمده بأبى موسى الأشعري في جمع آخر من البصرة وجعله على أهل البصرة، والنعمان بن مقرن على الكوفة، واستمر أبو سبرة على الإمرة على جميع أهل الكوفة والبصرة، فحاصروا تستر أشهرا طويلة وأكثروا فيهم القتل، وزاحفهم الفرس أثناء الحصار ثمانين زحفا.

 

حتى إذ كان آخر زحف منها اشتد القتال، فانهزم الفرس ودخلوا خنادقهم فافتحها المسلمون عليهم، فلاذ الفرس بالمدينة، فأحاط بها المسلمون، ورأى الفرس مدينتهم مطوقة بالمسلمين من جميع جوانبها، ولا أمل لهم في الخلاص من هذا الطوق المحكم، لذلك انهارت معنوياتهم، فخرج رجل من الفرس ليدل المسلمين على نقاط الضعف في دفاع المدينة المحاصرة، فدخلها بعض المسلمين فكبروا وردد المسلمون خارجها هذا التكبير، واقتحموا أبوابها وقتلوا المدافعين عنها، وأسروا الهرمزان وشدوه وثاقا، فأرسله أبو سبرة إلى عمر بن الخطاب مع وفد أنس بن مالك والأحنف بن قيس، وهكذا فتح العرب تستر أعظم مدينة في منطقة خوزستان، ولكن بعض القوات الفارسية انسحبت منهزمة من تستر باتجاه السوس، فخرج أبو سبرة بن أبى رهم بنفسه فى إثر المنهزمين إلى السوس، ونزل عليها ومعه النعمان بن مقرن المزنى وأبو موسى الأشعرى وعرفجة بن هرثمة وغيرهم من القادات، فطوقت القوات العربية مدينة السوس، واستطاعوا فتحها عنوه.

 

ولكن المدافعين عنها طلبوا الصلح فأجيبوا إلى ذلك، وكان لعرفجة فى فتح خوزستان أحسن البلاء، قال بامطرف في الجامع كان عرفجة من كبار القادة الفاتحين، وهو الذي فتح رامهرمز وتستر في خوزستان، وبعد فتح السوس توجه جيش المسلمين إلى نهاوند حيث جرت الوقعة الكبرى التي أطلق عليها العرب اسم فتح الفتوح سنة واحد وعشرين من الهجرة وشهد عرفجة بن هرثمة المعركة مع أبي موسى الأشعرى على رأس جيش أهل البصرة وتحت لواء النعمان بن مقرن المزنى، واستشهد النعمان بن مقرن فأخذ الراية حذيفة بن اليمان، وافتتحت نهاوند، فلم يكن للفرس بعد ذلك جماعة، وبها انتهى حكم الدولة الساسانية في إيران بعد أن دام حكمها ربعمائة وستة عشر عاما، وبهذه المعركة أسدل الستار على الحياة العسكرية للقائد عرفجة بن هرثمة، ومنها تحول إلى الإمارة، بعد عشر سنوات في ميدان الفتوحات الإسلامية، وقال محمود شيت خطاب عرفجة بن هرثمة شهد فتح مدينة رامهرمز ومدينة تستر، وبقي مجاهدا في ساحات القتال.عرفجة بن هرثمة " الجزء السادس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى