مقال

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء العاشر “

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء العاشر ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع التخطيط والهجرة النبوية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه لابد أن يهاجر من لحظة نزول الوحي عليه، فإنه عندما نزل الوحي لأول مرة في غار حراء، وذهب إلي زوجته التقية الوفية السيدة خديجة رضى الله عنها، وحكى لها ما رآه وما سمعه، فذهبت إلى ورقه بن نوفل وهو ابن عمها وأخبرها بانه النبى المنتظر، فعلم النبي من هذه اللحظة أنه لابد له من هجرة لمكان يُبلغ فيه رسالات الله، ويؤسس فيه مجتمعا على وفق كتاب الله، يشع منه نور الهداية إلي جميع خلق الله، فعلم ذلك وكان صلى الله عليه وسلم وهذا هو موضع القدوة لنا، والأسوة لنا، والعبرة لنا واثق كل الثقة في مولاه، يعتمد كل الاعتماد على الله عز وجل، لا يخشى ولا يخاف إلا الله.

 

ولا يرهب إلا جانب مولاه، ويعلم علم اليقين أن ما قرّره له الله لا دافع له من خلق الله، وما أراده الله لابد من تحقيقه بين يدي خلق الله، يؤمن إيمانا يقينيا أن الله عز وجل وحده هو الفعال لما يريد، إذن لماذا خطط النبي صلى الله عليه وسلم بدقة، وخرج من بيته واستقر في الغار ثلاثة أيام، ثم خرج بعد ذلك من الطريق الذي لم يسلكه الأنام، طريقا منفردا في الصحراء، وجهّز الدليل وجهّز الرواحل التي يركب عليها؟ ليُعلم أمته أن هذا الدين القويم هو دين التخطيط لأى أمر من الأمور، فالمؤمن إذا كان قوي الإيمان بالله يعتمد تمام الإعتماد على مولاه، لا بد له من إجادة التخطيط في أى أمر يريد أن يبلغه في هذه الحياة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن معه نصر الله.

 

ومعه رعاية الله ومعه تثبيت الله ومعه كفالة الله لكن لا بد له من التخطيط الدقيق، هكذا يُعلمنا الدرس حبيبنا المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خطط صلى الله عليه وسلم للخروج من بيته المبارك وعلم أن الأعداء يحيطون به من جميع الجهات، ومائة فارس من صناديد قريش مجهزين بالأسلحة سيدخلون البيت قبل الفجر لينقضوا عليه ويضربوه ضربة واحدة بسيوفهم كما خططوا، فجعل إبن عمه على بن أبي طالب رضى الله عنه ينام في مكانه ويتغطي بغطائه ليوهمهم أنه مازال في موضعه، فلا يلتفتوا لخروجه ولا يتابعوه بعد خروجه، فيتمكن من تحقيق المراد، ثم خرج من بيته وهو يعلم أنهم يجيدون قصاص الأثر، فإذا نظروا إلي قدم وُضعت على الرمل.

 

يعلمون منها من هو صاحب هذا القدم، ويعلمون منها ملامحه ويعلمون منها قبيلته ويعلمون منها طوله ويعلمون منها أحواله، فخرج من بيته يمشي على أطراف قدميه حتى وصل إلي الغار سبعة كيلو مترات يمشيها النبي صلى الله عليه وسلم على أطراف أصابعه حتى لا يظهر أثر قدميه في الرمال ويعلم القوم أين توجّه وأى مكانٍ سار إليه، وخطط أن يبقى في الغار ثلاثة أيام حتى يطمئنوا بعد البحث في كل الطرقات، وفي كل الجهات فلا يجدون أثرا لحضرته ويستكينوا، ويخرج بعد استكانتهم بعد تثبيت الحر الشديد، وقد كلف من يُحضر له الطعام، وكلف إبن أبي بكر الصديق رضى الله عنهما أن يجلس حول الكعبة يتلمّس له الأخبار، ليعلم ما الذي وصلوا إليه من خبره.

 

وما الذي يدور في أفكارهم، وما الذي استقرت عليه آراءهم، وكلف راعي الغنم لأبي بكر أن يمشي في خلف عبد الله بن أبي بكر ذهابا وإيابا حتى لا يبقى لأرجلهم موضع أثر فلا يعرف الكافرون أين ذهبوا، واتخذوا طريقا بعيدا غير الطريق العادي الذي يسلكه الناس، واتفق مع دليل يمشي به في هذا الطريق، مع أنه يمشي بالله ويعتمد على مولاه، لكن لا بد له من دليل في هذا الطريق وإن كان هذا الدليل كافرا لا يؤمن بالله عز وجل، فقد خطط النبي صلى الله عليه وسلم هذا التخطيط المُحكم حتى تتعلم الأمة، فمن يُرد أن يقيم مشروعا يخدمه في حياته لابد أن يخطط تخطيطا جيدا، فكل من يخطط لأولاده بأن يكونوا ناجحين في الدنيا، وأن يكونوا بررة به، وأن يكونوا نافعين لأنفسهم في الدار الآخرة، لابد من التخطيط لذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى