مقال

نفحات إيمانية ومع المؤمن بين الحياة والموت “جزء 3”

نفحات إيمانية ومع المؤمن بين الحياة والموت “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع المؤمن بين الحياة والموت، وكان المبدأ الذي يقوم عليه النظام الاجتماعي في الإسلام هو تحقيق الإخاء الديني بين أفراد المجتمع المسلم، كما أمر الله عز وجل في قوله تعالى ” إنما المؤمنون أخوة” وفي قوله صلى الله عليه وسلم “المسلم أخو المسلم” فكان هذا الرباط القوي رباط الإخاء بين المسلمين جميعا الداعمَ الأول لوحدة الجماعة المسلمة في قلب كل فرد من أفراد المجتمع، فالإخاء يعني جمع الأفراد في قالب إيماني واحد، يجعلهم في النهاية فردا واحدا، كما قال صلى الله عليه وسلم “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى” متفق عليه من حديث النعمان بن بشير.

 

وتتهاوى بعد ذلك كل رابطة أخرى لا تقوم على الإيمان أو بالإيمان، فكل فرد في المجتمع المسلم مخاطب بقوله صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” متفق عليه، ومن الإخاء يكون الحب والرحمة، والفضل الذي هو فوق العدل، ولقد كان لتجربة النظام الاجتماعي في المجتمع الإسلامي في قرون التمكين للإسلام رصيد كبير، يضاف إلى استحسانه عقليا، وقبوله فطريا، وقد كانت هذه التجربة في مجتمع الرعيل الأول مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم خير مثَال، وخير تجربة ناجحة، ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه “قَدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن ربيع الأنصاري.

 

وكان سعد ذا غنى، فقال لعبدالرحمن أقاسمك مالي نصفين، وأزوجك، قال عبدالرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق” رواه البخاري، وهكذا كانت ثمرة الإخاء بين أفراد المجتمع المسلم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت التجربة ذاتها في مجتمع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم حتى أضحت النظم الاجتماعية الإسلامية وهى حضارة اجتماعية كبرى، انطلقت لتشمل كل الأمصار المفتوحة بعد ذلك، ولم يعق النظام الاجتماعي الإسلامي كثرة الفتوحات، وزيادة أفراد المجتمع عن استمرار قوانين بقائه وعطائه في المجتمع المسلم الواحد الكبير، بل ساير النظام الاجتماعي الواقع الجديد بأصول المنهج ذاته.

 

القابلة لحدوث التغير الزماني والمكاني، فأنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت مال المسلمين لسد حاجات الناس المتغايرة مع توسع بقعة الإسلام، ويقول الشافعي رحمه الله كما في “أخبرنا الثقة من أهل المدينة قال أنفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الرمادة حتى وقع مطر، فترحلوا، فخرج إليهم عمر رضي الله عنه راكبا فرسا، فنظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم، فدمعت عيناه، فقال رجل من بني محارب بن خصفة أشهد أنها انحسرت عنك ولست بابن أمَة، فقال له عمر رضي الله عنه ويلك ذلك لو كنت أنفقت عليهم من مالي أو من مال الخطاب إنما أنفقت عليهم من مال الله عز وجل، فالتشريع الصالح لكل زمان ومكان،

 

غير عاجز عن الإدارة الاجتماعية للبلاد والعباد في كل مجتمع ينقاد له، ونحن اليوم وعلى الرغم من بُعد مجتمعات المسلمين عن الالتزام الواجب بالنظم الاجتماعية الإسلامية على مستوى الجماعة، على الرغم من هذا البعد نرى جهودا اجتماعية فردية محمودة ومثمرة، تغطي حاجات الكثيرين من أهل الإسلام، وهي لا شك بقايا تسلسلية من مسيرة النظم الاجتماعية التي عاشها المسلمون إبان ظهور الإسلام في المجتمعات المسلمة، فالاستحسان العقلي، والمد الإيماني، والموافقة الفطرية، والتجربة السابقة وبقاياها إلى اليوم، كل هذا مدعاة ضرورية لكي تولي الشعوب المسلمة وجوهها نحو دينها وحده كاملا غير منقوص لحل مشاكلها الاجتماعية وغير الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى