مقال

نفحات إيمانية ومع المؤمن بين الحياة والموت “جزء 4”

نفحات إيمانية ومع المؤمن بين الحياة والموت “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع المؤمن بين الحياة والموت، كل هذا مدعاة ضرورية لكي تولي الشعوب المسلمة وجوهها نحو دينها وحده كاملا غير منقوص لحل مشاكلها الاجتماعية وغير الاجتماعية، وتخلي عنها كل نظام غير منبثق من نظمها التي وضعها الله لها لتكون خير أمة أخرجت للناس، وإن الله عز وجل خلق الثقلين لحكمة بالغة خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وخلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، وليخلصوا له العبادة، وخلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه ” ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ” وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ” واعلموا أيها الناس أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة، يفوز فيها المتقون، ويخسر فيها الغافلون.

 

ومن حكمته سبحانه أنه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار، وإنما جعلها دار ممر واعتبار، فالرابح من صلح زرعه، والخاسر من فسد ثمره وكل الناس يعلم أنما هذه الحياة الدنيا ليست لحي سكنا، فهي سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون ” فالبقاء لله الواحد القهار، ولا يدري الإنسان متى يفجؤه الأجل ولا أشد وأعظم على الميت وأهله من إتيان الموت له فجأة، وهو في كامل صحته وعنفوان قوته وتمام نشاطه ومع تزايد النعم والعيش الرغيد، لم يحسب للموت حسابه ولم يظن أهله أن ينزل عليه الموت فإذا هم به قد سقط ميتا لا حراك به فكم من صحيح مات من غير علة.

 

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر، ولهذا من الغفلة أن يلهو الإنسان عن الموت وعن الاستعداد له فيقصر في الواجبات ويقع في السيئات ويأخذ حقوق الناس بغير حق بل بالظلم والبهتان ويتعدى على الغير في مال أو عرض أو نفس، يؤذي المسلمين والجيران يأكل حقوق الإجراء والخدم، ويظلم الزوجة والأولاد، وربما وقع الظلم من الأجير لمن استأجره، فكم من الناس من نسي الموت ولم يخطر له على بال، بل وتراه في أكمل أحواله صحة ونشاطا وعافية ومالا، فلا يلبث أن يأتيه الموت فجأة فلا يتمكن من تدارك نفسه ومن التوبة إلى الله والتحلل من المظالم، فربما لقي ربه محملا بالأوزار والآثام، فلنكن عباد الله على حذر من هذا، ولنتدارك النفس قبل فوات الأوان.

 

وإن كثيرا من الناس في هذا الزمان استولى عليهم حب المال والجاه والمناصب، حتى ضيعوا حياتهم لهوا ولعبا، وللمال جمعا وحبا، نسوا هادم اللذات ومفرق الجماعات، وربما قصروا في كثير من الواجبات ووقعوا في كثير من المخالفات، وارتكبوا كثيرا من المنهيات والمحرمات فيقول تعالى” فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ” فلله در أقوام علموا قرب الرحيل فهيئوا الزاد للسفر الطويل، فقاموا بما أمر الله وتركوا ما نهى عنه، فهونوا الدنيا فقنعوا منها بما حضر، واستوثقوا بقفل التقوى واستعدوا للسفر، وحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، لما احتضر سليمان التيمي قيل له أبشر فقد كنت مجتهدا في طاعة الله، فقال لا تقولوا هكذا.

 

فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عز وجل، فإنه سبحانه يقول “وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون” وكم من الناس اليوم من يعمل الموبقات، ويجترح المهلكات ولا يعبأ بالسيئات، وكل مسجل في صحيفته يوم الجزاء والحساب، إذا نشرت الدواوين وتطايرت الصحف، وفتحت السجلات للفصل والقضاء، ألا فاعلموا أن العاصي لو عصى مخلوقا لجزع من لقائه، فكيف بمن يعصي الخالق جل جلاله، فكيف يلقى خالقه محملا بأوزاره وآثامه، وقيل بكى محمد بن المنكدر عند الوفاة ، فقيل له ما يبكيك ؟ قال والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم، وكم من المسلمين اليوم من يجاهر بالمعاصي العظام والكبائر الجسام جهارا نهارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى