مقال

نفحات إيمانية ومع الأشتر النخعى مالك بن الحارث ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع الأشتر النخعى مالك بن الحارث ” جزء 3″

بقلم/ محمـــد الدكـــروى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الأشتر النخعى مالك بن الحارث، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنا من قتل قتلة عثمان، إلا بفتنة تزيد الأمر شرا وبلاء، ودفع أفسد المفسدتين، بالتزام أدناهما أولى من العكس، لأنهم كانوا عسكرا، وكان لهم قبائل تغضب لهم والحاصل هو إن علي بن أبى طالب رضي الله لم يُسلم قتلة عثمان رضي الله عنه، لمن طالب بدمه من باب السياسة الشرعية، لما في ذلك من مصلحة احتواء الفتنة، ومنع تطايرها، وانتشار شرها في المسلمين، ومع أن مالكا الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، كانا ممن شارك في هذه الفتنة، فإنهما لم يباشرا قتل عثمان رضي الله عنه، ولا شاركا فيه.

 

والظاهر أن عليا رضي الله عنه رأي في توليته لهما مصلحة كان ينظر إليها، فأما مالك الأشتر فقد كان قائدا شجاعا، مطاعا في قومه، وكان ممن لا يميل إلى الهدوء والسكينة، بل كان يشارك في كل حدث بسيفه أو لسانه، متطلعا للإمارة، وقد قال الذهبي رحمه الله تعالى، الأشتر ملك العرب، وهو مالك بن الحارث النخعي، وهو أحد الأشراف والأبطال المذكورين، وقد حدث عن عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وقد فقئت عينه يوم اليرموك، وكان شهما، مطاعا، زعرا، وقد ألب على عثمان بن عفان، وقاتله، وكان ذا فصاحة وبلاغة، فلا شك أن الإمام علي رضي الله عنه في توليته مالكا الأشتر قد لاحظ فيه سياسة ومصلحة فقد كان قائدا خبيرا.

 

له قدرة على مواجهة أي هجوم على مصر، وكانت محل أنظار أهل الشام، ومرتعا لأهل الفتن فكانت في حاجة إلى قائد حازم كالأشتر، ثم كان من مصلحة توليته على مصر أيضا إبعاده عن قومه، وأهل شوكته في الكوفة، فيتقي بذلك بعض ما كان يخشاه من فتنته لو بقي بين قومه، فلذا لم يوله قبل ذلك على البصرة القريبة من قومه، وأبعده إلى الموصل، وأما توليته لمحمد بن أبي بكر الصديق على مصر، فلثقته في محمد لأنه ربيبه، فقد تربّى في حجره، فلا يخشى من قبله فتنة، وقال ابن حجر رحمه الله، محمد بن أبي بكر الصديق، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية، وقد ولدته في طريق المدينة إلى مكة، في حجة الوداع، وقد نشأ محمد في حجر الإمام علي رضى الله عنه.

 

لأنه كان تزوج أمه السيدة أسماء بنت عميس، وربما لاحظ الإمام علي رضي الله عنه أن تولية محمد بن أبي بكر سيكون فيه تسكين لنفوس أهل الفتن من أهل مصر،لأن من الشروط التي تروى أنه تراضى عليها عثمان رضي الله عنه مع أهل مصر قبل مقتله، هو أن يولي عليهم محمد بن أبي بكر، وقال ابن كثير رحمه الله، وقد ذكر ابن جرير أن المصريين لما وجدوا ذلك الكتاب مع البريد إلى أمير مصر، فيه الأمر بقتل بعضهم، وصلب بعضهم، وبقطع أيدي بعضهم وأرجلهم، وكان قد كتبه مروان بن الحكم ، على لسان عثمان بن عفان متأولا قوله تعالى فى سورة المائدة ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم ”

 

وكان عنده أن هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه، من جملة المفسدين في الأرض، ولا شك أنهم كذلك، لكن لم يكن له أن يفتات على عثمان، ويكتب على لسانه بغير علمه، ويزور على خطه وخاتمه، ويبعث غلامه على بعيره بعد ما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين، وهو على تأمير محمد بن أبي بكر على مصرن فالحاصل أن الإمام علي رضي الله عنه من أكابر الصحابة رضي الله عنهم وأفضلهم، فلا يشك فيه بمثل هذه الأحداث المحتملة، التي لها أوجه من الحق، والسياسة، والمصلحة الشرعية، وفي ولاية الأشتر النخعى هذا على مصر قبل محمد بن أبي بكر الصديق اختلاف كثير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى