مقال

نفحات إيمانية ومع المُسَيّب بن نجبة والثأر للحسين ” جزء 4″

نفحات إيمانية ومع المُسَيّب بن نجبة والثأر للحسين ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع المُسَيّب بن نجبة والثأر للحسين، وكان في هذه الفئة حبيب بن مظاهر الأسدي ونافع بن هلال الجملي وغيرهم، وفئة أخرى كانت على نقيض الفئة الأولى لا تحفل بعقيدة، وهي إذا كانت قد كتبت إلى الحسين رضى الله عنة، فيمن كتب وتحمست لدعوته أشد التحمس وإذا كانت تري في الحسين رضى الله عنة، أنه رجل الساعة المفرد الذي يخلق بالتأييد والنصرة فلا ترى بأسا وقد مالت الكفة مع ابن زياد أن تميل معها وتقاتل الذي دعته لتنضوي تحت لوائه، وفئة ثالثة كانت وسطا بين الفئتين فلا هي نصرت الحسين ولا هي نفرت لقتاله ولكنها انكمشت على نفسها تنكر المنكر بقلبها حتى إذا قتل الحسين ندمت على تركها نصرته وتلاومت فيما بينها.

 

ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيرا ومن هذه الفئة انبعثت فكرة الثورة التي عرف رجالها باسم التوابين، فأخذ يجتمعون بعد مقتل الحسين بن علي رضى الله عنة، مباشرة في إطار من السرية التامة، وعند الاجتماع يعقدون مناقشات أشبه ما تكون بالنقد الذاتي، وذلك لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين بن على رضى الله عنة، والتشاور على كيفية التكفير عن الذنب وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل، فتزعّم التحرك الشيعي حينئذ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين المتقدمين في السن، الذين ارتبطوا تاريخيا بالحركة الشيعية، وهم سليمان بن صرد الخزاعي، وهو صحابي جليل كان اسمه يسار، وسمّاه رسول الله صلى الله عليه و سلم، سليمان.

 

وهو من أصحاب علي بن أبى طالب رضى الله عنة، وقد شارك معه في حروبه، والمُسَيّب بن نجبه الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن وال التميمي، رفاعة بن شدّاد البجلي، وكان كلهم من صحابة الإمام علي بن أبى طالب، ومن المؤيدين له، فبدؤوا يمارسون نشاطهم في الخفاء، ويبشرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الشيعة، بعيدا عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كل مكان، وقد شكّلوا منظمة سرية نواتها نحو مائة معارض، ولم تلبث حتّى تحولت إلى معارضة شيعية كبرى تحمل اسم التوابين، وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة على حركة سليمان ورفاقه، منبثقة من الآية الكريمة التي أصبحت شعارهم فى ذلك الوقت.

 

” فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم” وكان الاجتماع الأول الذي ضم هؤلاء قد عُقد في منزل سليمان بن صرد، وكان أول المتكلمين في الاجتماع هو المُسيّب بن نجبه، وبعد أن أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف، وتكلم بعدئذ زعيم آخر هو رفاعة بن شدّاد، فأثنى على ما جاء في خطبة المسيّب، وأوصى باتخاذ سليمان بن صرد زعيما للثورة، ويمكن تلخيص أهداف ثورة التوّابين بأنها تريد إزاحة الأمويّين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود في مختلف أقاليم الدولة، وأن يأخذ القصاص من المسؤولين ومن قتلة الإمام الحسين، سواء الأمويّين أم المتواطئين معهم.

 

وأيضا تجسيد فكرة الاستشهاد، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء، وكذلك الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس، وقد انتهى الاجتماع بهذه المقررات الحاسمة، وإختيار سليمان بن صرد زعيما لهم، وذلك لسبقه في الإسلام وصحبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأوثقهم علاقة بالإمام علي بن أبى طالب، وأبنائه عليهم جميعا السلام ورضى الله عنهم أجمعين، وكان هو أرفعهم شأنا في مكانته القبلية، وقد جمع الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي، الذي سُمّي أمير التوّابين، أنصاره في منطقة النخيلة، في الخامس من ربيع الثاني سنة خمسة وستين من الهجرة، ثم سار بهم إلى قبر الإمام الحسين رضي الله عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى