مقال

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 1″

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن الحضارة الإسلامية هى حضارة ربانية، حيث إن مصدرها من عند الله تعالى فهى نزلت على النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، وكما تستمد قوتها من تشريعاتها الربانية، وكذلك التركيز على الأخلاق بشكل مطلق فهي تحث على الأخلاق الفاضلة والغاية فيها لا تبرر الوسيلة كما في بعض الحضارات الأخرى، والإنسانية، فهي جاءت لتخاطب جميع الناس على إختلاف أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم وأصولهم، فقال الله سبحانه وتعالى ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” وهى قائمة على العلم ونبذ الجهل، فأول كلمة نزلت على مؤسسها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هي كلمة اقرأ.

 

كما أنها تشجّع على العلم وتفتخر بعلمائها البارزين أمثال الخوارزمي وابن سينا وكما أنها تحترم مشاعر الإنسان وكيانه وعقله ولا تسمح باستحقاره وهى قائمة على التعاون فيما بين أفرادها ومساعدة بعضهم البعض، ونشر المحبة والإيثار، وتنبذ الخلافات والتنافر والكره والحقد، فهي تمتاز بالتفاؤل والتوكل على الله ونشر السعادة والإيجابية بين الناس، وإن الحضارة الإسلامية هى ما جاء به الإسلام للبشرية من قيم ومبادئ وقواعد للمضي قدما نحو الشأن المرتفع والحياة السامية الفضلى، وبالتالي التقدم والتطور في الجوانب المادية والمعنوية التي تسهل على الإنسان حياته وتنظمها، وهى حصيلة امتزاج الشعوب العربية وغير العربية التي اعتنقت الإسلام وثقافاتها.

 

وكما هو نتاج لالتفاف الحضارات والثقافات التي شملتها الفتوحات الإسلامية حول بعضها البعض، واتباعها المنهج الإسلامي بتطبيق مبادئه وقيمه، واتصفت الحضارة الإسلامية عندما بلغت ذروتها بالتقدم بأنها العصر الذهبي للإسلام، وكان ذلك منذ منتصف القرن الثامن وحتى القرنين الرابع والخامس عشر للميلاد، وشهدت الحضارة الإسلامية خلال هذه الفترة تقدما في المجالات العلمية، والتجارية، والهندسية، والاقتصادية، والصناعية وغيرها، وإن الرسالة المحمدية بجموعها رسالة إنسانية، فقد جاءت لتراعي إنسانية الإنسان فيما تأمر به أو تنهي عنه وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته.

 

نستطيع أن نصفه بأنه كتاب الإنسان، فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان ولو تدبرنا آيات القرآن كذلك لوجدنا أن كلمة الإنسان تكررت في القرآن ثلاثا وستين مرة، فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل بني آدم التي ذكرت ست مرات، وكلمة الناس التي تكررت مائتين وأربعين مرة في مكي القرآن ومدنيه وكلمة العالمين وردت أكثر من سبعين مرة والحاصل أن إنسانية الإسلام تبدو من خلال حرص الشريعة الإسلامية وتأكيدها على مجموعة من القضايا المهمة، ولعل من أبرز الدلائل على ذلك هو أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة الإنسان في اثنتين منها، ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان.

 

فقال تعالى ” اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم” وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه وقيمه الإنسانية، وكان خُلقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنه الرسول الإنسان وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت العبادات، لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها، ولقد تميزت الأرض بظهور الكثير من الحضارات البارزة على مر العصور والأزمنة، وقد تركت هذه الحضارات خلفها الآثار التي تدل عليها، وتعد الحضارة الإسلامية من أقوى الحضارات وأبرزها فهي قائمة إلى يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى