مقال

نفحات إيمانية ومع القعقاع بن عمرو ” جزء 5″

نفحات إيمانية ومع القعقاع بن عمرو ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع القعقاع بن عمرو، وأبو محجن، هو أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والإسلام وكان فارسا حارب المسلمين في غزوة ثقيف، وأسلم بعدها، وروى عدة أحاديث، وقد نظم الشعر في الغزل والفخر والرثاء، ولكن شهرته تعتمد على خمرياته ووصفه للحرب، وديوانه الصغير مطبوع، وقد ذكره المدائني والبلاذري فيمن شهد معركة الجسر، وكان على رأس أربعمائة من ثقيف، وفي يوم الجسر له شعر في رثاء أخوانه، وابن عمه القائد أبو عبيد الثقفى، وهو الذى نهى عمر بن الخطاب عن تجسسه عليه فوافقه الإمام على بن أبى طالب، وكان محبا للخمر، فحده أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مرارا، ثم نفاه بعد حادث الشموس بنت النعمان.

 

إلى جزيرة في البحر يقال لها حضوضى، إلا أنه هرب من الحارس الذى رافقه قبل وصولهما تلك الجزيرة، ولحق بالقائد سعد بن أبى وقاص بالعراق، فحبسه، ولكنه أبلى في موقعة القادسية، فأعجب به سعد وأطلق سراحه، وفي السنة السادسة عشر بعد فتح المدائن عاد أبو محجن إلى الخمر فنفاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى باضع، وقيل أن أبا محجن أوصى قائلا إذا مت فادفنى إلى جنب كرمة تروي عظامى بعد موتي عروقها، ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها وزعم الهيثم بن عدى أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان أو قال في نواحي جرجان وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت، فعجب الرجل وتذكر شعره.

 

وقال الواقدي نفى عمر أبا محجن إلى باضع فى سنة السادسة عشر من الهجرة، وقال بروكلمان أنه لم يزل أبو محجن يشرب الخمر حتى نفاه عمر إلى باضع، وهي مدينة مصوع على سواحل الحبشة، وتوفى بها بعد مدة وجيزة، وقد قيل أنه لا يجوز تعطيل حد من حدود الله ، فإقامة الحدود من شعائر الإسلام التي لا يجوز تعطيلها، فكان أبو محجن رضى الله عنه، قد اتهم بشرب الخمر، وقصته أنه خرج مع المجاهدين في معركة القادسية، وقد حبسه سعد فى المعركة، ومنعه من القتال من أجل المسكر، فلما اشتد القتال، وكان أبو محجن قد حبس وقيد في القصر، فأتى سلمى بنت خصفة امرأة سعد، فقال لها هل لك إلى خير؟ قالت وما ذاك؟ قال تخلين عني وتعيرينني البلقاء.

 

وهو فرس سعد فلله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلى في قيدي، وإن أصبت فما أكثر من أفلت، فقالت ما أنا وذاك، فقال حزين على نفسه، والأبطال في حلبة القادسية، وهو مقيد، كفى حُزنا أن ترد الخيل بالقنا، وأترك مشدودا عليّ وثاقيا، ولله عهد لا أخيس بعهده، لئن فرّجت أن لا أزور الحوانيا، فسمعت سلمى منه، وهو يردد هذه الأبيات، فقالت إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته فأبلى بلاء حسنا، وعندما علم سعد دعا به، فحلّ قيوده، وقال لا نجلدك على الخمر أبدا، قال أبو محجن وأنا والله لا أشربها أبدا، ولكن من الذي لا يخطئ؟ ومن الذى لا يزل؟ فإن كل بني آدم خطاء، لكن الخطيئة فى الإسلام ليست وصمة عار تبقى ملاصقة للمرء لا فكاك عنها.

 

فخير الخطائين التوابون، فالخطيئة تعالج بالتوبة، والسيئة تمحوها الحسنة بعدها، وإن المخطئين والمذنبين ليسوا عناصر فاسدة في المجتمع المسلم لا يمكن الاستفادة من طاقاتهم، ولو أن كل من أخطأ أو أذنب استبعد من كل شيء لتعطلت كثير من المصالح والأنشطة، ولكن ما فعله سعد مع أبي محجن رضى الله عنهما، من تركه إقامة الحد عليه ليس من تعطيل حدود الله تعالى، ولكنه لما رأى ما أبلى به أبو محجن من بلاء حسن فى الحرب ، وبذله نفسه في سبيل الله ، وعلم من حاله صدقه في التوبة من الشراب درأ عنه الحد، وليس هذا تعطيلا له، وإنما هو من باب محو السيئة السالفة بالحسنة الماحية، وأن التوبة تجبّ ما قبلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى