مقال

نفحات إيمانية ومع الإيمان وصفات المتقين ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع الإيمان وصفات المتقين ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإيمان وصفات المتقين، ويتجسد هنا سؤالان، فالأول وهو لماذا يتضاعف عذاب هذا النوع من الأشخاص؟ ولماذا لا يجازون على قدر ذنوبهم؟ وهل ينسجم هذا مع أصول العدالة؟ والثّاني وهو إن الكلام هنا عن الخلود في العذاب، في حين أن الخلود هنا مرتبط بالكفار فقط، والذنب الأول من هذه الذنوب الثلاثة التي ذكرت في الآية يكون كفرا، فقط، وأما قتل النفس والزنا فليسا سببا للخلود في العذاب، ولقد بحث المفسرون كثيرا في الإجابة على السؤال الأول، وأصح ما أوردوه هو أن المقصود من مضاعفة العذاب أن كل ذنب من هذه الذنوب الثلاثة المذكورة في هذه الآية سيكون له عقاب منفصل، فتكون العقوبات بمجموعها عذابا مضاعفا.

 

فضلا عن أن ذنبا ما يكون أحيانا مصدر الذنوب الأخرى، مثل الكفر الذي يسبب ترك الواجبات وارتكاب المحرمات، وهذا نفسه موجب لمضاعفة العذاب الإلهي، لهذا اتخذ بعض المفسرين هذه الآية دليلا على هذا الأصل المعروف أن الكفار مكلفون بالفروع كما أنهم مكلفون بالأصول، وأما في الإجابة على السؤال الثّاني فيمكن القول أن بعض الذنوب عظيم إلى درجة يكون عندها سببا في الخروج من هذه الدنيا بلا إيمان، ومن الممكن أن يكون الأمر كذلك في مورد الزنا أيضا، خاصة إذا كان الزنا بمحصنة، ومن المحتمل أيضا أن الخلود في الآية أعلاه يقصد به من يرتكب هذه الذنوب الثلاثة معا، الشرك وقتل النفس والزنا، والشاهد على هذا المعنى هو الآية الكريمة.

 

حيث تقول ” إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا” واعتبر بعض المفسرين أن الخلود هنا بمعنى المدة الطويلة لا الخالدة، لكن التفسير الأول والثّاني أصح، ومن الملفت للنظر هنا فضلا عن مسألة العقوبات العادية، هو عقوبة أخرى ذكرت أيضا وهي التحقير والمهانة، أي البعد النفسي من العذاب، وقد تكون بذاتها تفسيرا لمسألة مضاعفة العذاب، ذلك لأنهم يعذبون عذابا جسدياً وعذابا روحيا، لكن القرآن المجيد كما مر سابقا، لم يغلق طريق العودة أمام المجرمين في أي وقت من الأوقات، بل يدعو المذنبين إلى التوبة ويرغبهم فيها، ففي، فيقول تعالى ” إلا من تاب وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما” فكما مر بنا في الآية الماضية.

 

ففي الوقت الذي ذكرت ثلاثة ذنوب هي من أعظم الذنوب، تركت الآية باب التوبة مفتوحا أمام هؤلاء الأشخاص، وهذا دليل على أن كل مذنب نادم يمكنه العودة إلى الله، بشرط أن تكون توبته حقيقية، وعلامتها ذلك العمل الصالح المُعوّض الذي ورد في الآية، وإلا فإن مجرد الإستغفار باللسان أو الندم غير المستقر في القلب لا يكون دليلا على التوبة أبدا، والمسألة المهمة فيما يتعلق بالآية أعلاه وهي كيف يبدل الله سيئات أولئك حسنات؟ ولننظر أن أولى صفات المؤمنين أو لأهل الإيمان الذين نالوا بها الفلاح والفوز بالفردوس الصلاة الخاشعة، فقال تعالى ” الذين هم فى صلاتهم خاشعون”فإن الصلاة هى تلك العبادة العظيمة التي هي صلة بين العبد وربه ولبّها الخشوع.

 

وهو الخوف الموجب لتعظيم الله تعالى، والخشوع بهذا المعنى مطلوب داخل الصلاة وخارجها، لكنه في الصلاة يكون أولى من غيرها لأنها وقوف بين يدي الله تعالى، وإن الخشوع عبادة قلبية تظهر آثارها على أعمال الجوارح، ففي الصلاة يحرص المؤمن الخاشع على إقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، ويحرص على أن يكون حاضر القلب والذهن بين يدي ربه، واعيا متدبرا ما يقرأ أو يسمع، ويكون بذلك مستفيدا من الصلاة بعد ذلك، فقال تعالى فى سورة العنكبوت ” وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما يصنعون” ومما يعين المصلي على الخشوع في الصلاةن هو أن يستحضر أنه بين يدي ملك الملوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى