مقال

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 4″

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع كلام المصطفي العدنان، وذهب بعض العلماء إلى أن النهي عن كتابتها إنما كان بالنسبة لمن يوثق بحفظه، ممن لا يخشى عليه الغلط، خوف اكتفائه بالكتابة، وعندئذ لا يؤمن معها التحريف، ولا عدم الضياع، أما الإذن فقد كان في حق من لا يوثق بحفظه كأبي شاه، لأن ذلك هو الميسور له على أن من علماء الحديث من قال إن حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه حديث موقوف، فلا يصلح معارضا لما ورد من آثار دلت على إباحتها، ودونه جميع ما روي عن كراهتها، وهذا رأي ذهب إليه البخاري وغيره، وذلك ما روي في النهي عن كتابة السنة والأمر بمحو ما كتب منها، وما روي في معارضته، ومنه يتبين أن الوضع في ذلك لم يكن وضعا مستقرا.

 

وأنه على الأقل كان محل خلاف بين الصحابة، خلافا مرده إلى التقدير واختلاف الظروف والزمن، ومع هذا الوضع يكون من التجاوز في الرأي والقول أن يقال لو كانت السنة أصلا في الدين لم ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابتها لأن النهي عن كتابتها يعد نهيا عن نشرها، أو يؤدي إلى ذلك فعلا، كما يؤدي إلى نسيانها، وعدم العناية بحفظها، وذلك ما لا يتسق مع وجوب العمل بها، واتخاذها شريعة تقوم عليها معاملات الناس في مختلف أوطانهم، يكون هذا تجاوزا في الرأي إذ لم يثبت أنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن كتابتها بصفة قاطعة، وعلى وضع مستمر دائم، حتى ترتب عليه آثاره ومعقباته، ثم إذا لاحظنا أن السنة ليست إلا بيانا لكتاب الله.

 

وتطبيقا له قام بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بأقواله وأفعاله، رأينا أن كتابتها في زمنه صلى الله عليه وسلم لم تكن بالأمر الذي يتوقف عليه العمل أو العلم بها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم في أصحابه، يستطيعون أن يرجعوا إليه في كل ما يعرض لهم فيبين لهم حكمه، مراعيا في ذلك ظروف الواقعة وملابساتها التي لا تستقر ولا تدوم، فيكون بيانه هذا عندئذ أوفى بيان، ولم تكن كتابة السنة يومئذ بالأمر الميسور المستطاع حتى يأمر بكتابتها، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا وشارعا، بقوله وفعله، في حله وترحاله، وفي حضره وفي سفره، وفي ذهابه وإيابه، وفي بيته وفي خارج بيته، وفي زيارته وفي سوقه، وفي مسجده، وفي معاملته.

 

فلم يكن لبيانه وقت محدود، ولا مكان معين، وذلك ما لا يمكن جمعه ولا يستطاع تتبعه وحصره، وما فيه إرهاق وعنت شديد في محاولته مع الاستغناء عنه بالأمر الميسور المستطاع، وهو الرجوع إليه صلى الله عليه وسلم حين تعرض الحاجة، فإن عرضت في مكان بعيد فقد رخص لمن عرضت له أن يجتهد وأن ينظر ما أمكنه ذلك، وأن يعمل بما يؤديه إليه اجتهاده إلى أن يتيسر له عرض الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك كان منهج أصحابه في حياته صلى الله عليه وسلم وهو منهج يرى أن كتابة السنة معه وجمعها أمر غير ميسور، وغير محتاج إليه بالنسبة إليهم، وأن في الترخيص لهم بالاجتهاد إذا ما تعذر عليهم اللقاء والعرض غناء عن محاولة أمر متعذر.

 

هو حفظ كل ما نطق به الرسول في مختلف أحواله أو كتابته، وذلك ما كانوا يفزعون إليه دائما إذا ما خفي عليهم حكم ما عرض لهم من الكتاب والسنة، بعد البحث والسؤال عنه، دون حرج يجدونه في ذلك، ذلك ما كان عليه الأمر حال حياته صلى الله عليه وسلم أما بعد وفاته فقد كان من الصحابة من أحجم عن كتابتها متابعة منهم لما حدث من بعضهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصا منهم على سلامة الكتاب، وعدم الاشتغال عنه بالسنة المكتوبة بل حرصا منهم أيضا على السنة نفسها إذ كان من المتعذر استيعابها، ولو اكتفى بكتابة، ما عرف منها لم يؤمن أن يترك منها ما لم يعرفه الكاتبون بحجة أنه لو كان صحيحا ما تركت كتابته، وكان منهم من أقدم على كتابتها وكتبها تلاميذهم بين أيديهم بل وأمروا بكتابتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى