مقال

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 6″

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون، فيتحسر ويدع الدعاء، وإذا جمع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب، وذلا له، وتضرعا ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألحّ عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه.

 

وصفاته وتوحيده، وقدم بين دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبدا، وخصوصا إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم” وعجبا لك ياابن آدم عندما ولدت تغسل وتنظف وعندما تموت تغسل وتنظف وعجبا لك ياابن آدم عندما تولد لاتعلم من فرح واستبشر بك وعندما تموت لاتعلم من بكى وحزن عليك، وعجبا لك ياابن آدم في بطن أمك كنت في مكان ضيق ومظلم وعندما تموت تكون في مكان ضيق ومظلم وعجبا لك ياابن آدم عندما ولدت تغطى بالقماش ليستروك وعندما تموت تكفن بالقماش أيضا ليستروك، وعجبا لك يا ابن آدم عندما ولدت وكبرت يسألك الناس عن شهاداتك وخبراتك وعندما تموت تسألك الملائكة عن عملك الصالح فماذا أعددت لآخرتك ؟ فاتقوا الله تعالى في السراء والضراء.

 

فسبحانه وتعالي يقول كما في سورة البقرة ” واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون” واعلموا أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر من مقامات الأنبياء والمرسلين، وحلية الأصفياء المتقين، وإن من خلال الآيات والأحاديث استنبط أهل العلم أن للصبر ثلاثة أقسام، وهو صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فأول أنواع الصبر هو الصبر على طاعة الله وهو أن يلزم الإنسان نفسه طاعة الله وعبادته ويؤديها كما أمره الله تعالى، وأن لا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه.

 

ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، وأما النوع الثاني فهو الصبر عن معصية الله بأن يمنع الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده، فمتى علم العاقل ما في الوقوع في المحرم من العقاب الدنيوي والأخروي أوجب ذلك أن يدعها خوفا من علام الغيوب، ونتذكر في القسمين السابقين من الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله قوله صلى الله عليه وسلم “حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات” رواه البخاري ومسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم “حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره” رواه البخاري، وقال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم.

 

من التمثيل الحسن ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحبوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فمعنى هذا الحديث أن من أراد الفوز بالجنة والنجاة من النار، فعليه بفعل الطاعات واجتناب المحرمات ولو وجد في ذلك مشقة على نفسه، والحقيقة أن هذه المشقة تتلاشى كلما زاد إيمان العبد وقويت صلته بمولاه، وأما القسم الثالث من الصبر فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة ومعناه أن يستسلم الإنسان لله فيما يقع عليه من البلاء والهموم والأسقام والمصائب، وأن لا يقابل ذلك بالتسخط والتضجر، فالله هو المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، له الخلق وله الأمر، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى