مقال

نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 2″

نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله أيوب عليه السلام، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة ” وقال صلى الله عليه وسلم ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” فهذه الأحاديث وما ورد بمعناها بشرى للمؤمن، تجعله يحتسب عند الله المصائب التي تنزل به، فيصبر عليها ويحتسب ثوابها عند الله عز وجل لأنه يعلم أن ذلك من عند الله تعالى، وأن سببها من نفسه، كما قال الله تعالى فى سورة الشورى ” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ” ومن التوجيهات النبوية في الرضا بأقدار الله قوله صلى الله عليه وسلم.

 

“المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل، قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم، فيجب علينا أن نتفكر في حكم المولى عز وجل في تصريف الأمور، وأنه تعالى المحمود على ذلك، وأن أي شدة صغيرة أو كبيرة خاصة أو عامة إنما فرجها بيد من هو على كل شيء قدير، فعلينا أن نحسن الظن بالله، وأن لا نقنط من رحمة الله، وأن نرضى بما قدر الله، وأن نتذكر مع نزول أي مصيبة كثرة نعم الله علينا، ولطفه بنا، وذلك من أعظم ما يهون المصائب، وعلينا الاعتراف بتقصيرنا وعيوبنا ومعاصينا بين يديه سبحانه، والتوبة النصوح من جميع الذنوب، والقيام بما أمرنا الله به من الصبر واحتساب الأجر.

 

والإيمان به والتوكل عليه، والعمل بما يرضيه، والبعد عن معاصيه، وبذلك تكون العبودية لله في جميع التقلبات والأحوال، والتي هي طريق السعادتين في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى فى سورة التغابن ” ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم ” وإن ذكر للبلاء صبر فذاك صبر أيوب عليه السلام؛ فهو مضرب مثل، وسلوة مبتلى، ورجاء مكروب، وذكرى عابد، ورحمة أرحم الراحمين، ذاك ما أخبر عنه الله سبحانه وتعالى بقوله فى سورة ص ” إنا وجدناه صابرا ” فكيف كان حاله؟ وكيف رُفع بلاؤه؟ فقد قدّر الله بحكمته ورحمته على نبيه أيوب عليه السلام من البلاء ما أذهب عنه أهله وماله وعافية بدنه، فلم يبق له من أعضائه صحيح إلا قلبه ولسانه، وقد كان من أنعم الناس عيشا، وهو مع ذلك الفقد والابتلاء صابر، محتسب.

 

وراض عن ربه عز وجل، ذاكر له صبحه ومساءه، وقد اشتدت معاقد البلاء عليه وتنوعت، وزاد شدته شدة تطاول السنين، وتسلط الشيطان عليه بالنصب والعذاب الحسي والنفسي، وتنكر الناس، واستثقالُهم له القريبين منهم والبعيدين، حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، ولم يبق له وفيّ من مجتمعه الذي ذاق خيره وبره إلا زوجته المؤمنة التي كانت ترعاه وتعرف سالف معروفه عليها، وأخوان كانا من أخص الناس به، وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أيوب نبى الله صلى الله عليه وسلم لبث فى بلائه ثمانى عشر سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه، تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه، وما ذاك ؟ قال منذ ثمانى عشر سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به ؟ ” رواه ابن حبان والحاكم.

 

وتلك سنة الله الغالبة في أصفيائه، كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ” رواه الترمذي، فما كان بلاء أيوب عليه السلام من هوانه على ربه، وما كانت شدته إمعانا في إيذائه، كلا، بل هي رحمة أرحم الراحمين، يكسر بها قلب عبده حين يُشعره بضعفه وفقره إليه، ويكون من أقرب الناس منه، والله سبحانه عند المنكسرة قلوبهم لأجله، ولا كسرة ككسرة قلب المريض ولذا قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم ” أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى