مقال

العباس بن عبد المطلب ” حزء 2″ 

العباس بن عبد المطلب ” حزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع العباس بن عبد المطلب، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر بالمدينة ليلة العقبة فيقول “أيِدت تلك الليلة بعمّي العباس، وكان يأخذ على القوم ويعطيهم” وكان العباس رضى الله عنه جوادا مفرط الجود، وصولا للرحم والأهل، فطنا إلى حد الدهاء، وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء، ولم تكن قريش تخفي شكوكها في نوايا العباس رضى الله عنه، ولذا فقد وجدت في غزوة بدر فرصة لاختبار حقيقة العباس.

 

فدخل العباس رضى الله عنه الغزوة مكرها، ويلتقي الجمعان في غزوة بدر، وينادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه قائلا “إن رجالا من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنما أخرج مستكرها” وقد أسر العباس رضى الله عنه فيمن أسر يوم بدر، وكان أسره على يد أبي اليسر كعب بن عمرو، وقد طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يفدي نفسه وذويه، فرفض العباس رضى الله عنه قائلا إني كنت مسلما قبل ذلك، وإنما استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعى حقا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافدي نفسك” وبعثت له أم الفضل من مكة بالفدية.

 

فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم سراحه، ويجيء يوم حنين ليؤكد فدائية العباس رضى الله عنه، فقد كان صوت العباس رضى الله عنه يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال، فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة، ينتظرون مجيء عدوهم، كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه شاحذين أسلحتهم، وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدا، وكان حول النبي صلى الله عليه وسلم ساعتئذ أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس وبعض الصحابة رضى الله عنهم جميعا، ولم يكن العباس رضى الله عنه بجواره فقط، بل كان بين قدميه آخذا بخطام بغلته، يتحدى الموت والخطر، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس، وكان جسيما جهوري الصوت، فراح ينادي .

 

“يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة، فردوا “لبيك لبيك” وانقلبوا راجعين جميعا بعد أن شتتهم هجوم المشركين المفاجئ، وقاتلوا وثبتوا، فنصرهم الله، ولما كان عام الرمادة، وهو عام الجدب سنة ثماني عشرة، استسقى عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالعباس قائلا اللهم إنا كنا نستسقيك بنبيِنا إذا قحطنا، وهذا عمه بين أظهرنا ونحن نستسقيك به” فلم ينصرف حتى أطبق السحاب، وسقوا بعد ثلاثة أيام ودخل عليه عثمان بن عفان، وكان العباس خال أمه أروى بنت كريز فقال يا خال، أوصني، فقال “أوصيك بسلامة القلب، وترك مصانعة الرجال في الحق، وحفظ اللسان، فإنك متى تفعل ذلك تُرضي ربك، وتصلح لك رعيتك” وكان يقول رضى الله عنه لولده عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ناصحا “يا بني، إن الله قد بلغك شرف الدنيا فاطلب شرف الآخرة.

 

واملك هواك، واحرز لسانك إلا مما لك” وقال العباس بن عبد المطلب لابنه عبد الله بن عباس، حين اختصه عمر بن الخطاب وقربه “يا بُني، لا تكذبه فيطرحك، ولا تغتب عنده أحدا فيمقتك، ولا تقولن له شيئا حتى يسألك، ولا تفشين له سرا فيزدريك” وقد توفاه الله في يوم الجمعة فى شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين هجريا، وصلى عليه عثمان بن عفان رضى الله عنهم جميعا، ودفن بالبقيع بالمدينه المنورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى