مقال

صدقة الفطر “جزء 2”

صدقة الفطر “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني من صدقة الفطر، وإن الحكمة في ايجاب هذه الزكاة ما جاء عن ابن عباس رضى الله عنهما قال” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين” رواه أبو داود، فهذه الحكمة مركبة من أمرين، فالأول هو يتعلق بالصائمين في شهر رمضان وما عسى أن يكون قد شاب صيامهم من لغو القول ورفث الكلام وجبرا لما يحدث فيه من غفلة أو إخلال ببعض الآداب وشبهها بعض الأئمة بسجود السهو، وقال وكيع بن الجراح زكاة الفطر لشهر رمضان، كسجدة السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم، كما يجبر السجود نقصان الصلاة، وأما الثانى فهو فيتعلق بالمجتمع، وإشاعة المحبة والمسرة فى جميع انحائه وخاصة المساكين وأهل الحاجة فيه، فالعيد يوم فرح وسرور.

 

فينبغى تعميم الفرح والسرور على كل أبناء المجتمع فيفرح الجميع غنيهم وفقيرهم، فكانت فرضية الزكاة ليشعر الفقير أن المجتمع لم يهمل أمره ولم ينسه فى أيام سروره ولهذا ورد فى الحديث الذى أخرجه البيهقى والدارقطنى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أغنوهم فى هذا اليوم” وكان من حكمة الشارع هو أيضا تقليل مقدار الواجب وإخراجه من غالب قوت الناس مما يسهل عليهم، حتى يشترك أكبر عدد ممكن من الأمة فى هذه المساهمة الكريمة، وأما عن على من تجب ؟ فهى تجب على المسلم الحر الذى توفر لديه ما يخرج زكاة عنه وعمن يلى أمره زائدا عن قوته، وقوت أولاده، ولا يشترط اليسار فهى فرض على الفقير والغنى، بل يستحب للفقيرين أن يتبادلاها حتى لا يحرما من الأجر ويخرجها الرجل عن نفسه.

 

وعمن تلزمه نفقته ويلى أمره بسبب القرابة كطفلة الفقير الذى عليه نفقته، أما الأولاد الذكور العقلاء فلا يجب على الأب أن يخرج عنهم إلا إذا كانوا عاجزين عن الكسب أو لإشتغالهم بالدراسة، ومتى تجب ؟ فإنه عند الحنفية بطلوع فجر عيد الفطر لأنها قربة تتعلق بيوم الفطر فلا تتقدم عليه كالأضحية، وعند الشافعى ومالك وأحمد هى تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان لأنها تضاف إلى الفطر فتجب به، وإن ثمرة الخلاف هو فى من ولد أو أسلم قبل الفجر من يوم العيد وبعد غروب الشمس في آخر يوم من رمضان وكذلك المكلف الذى يموت فى هذا الوقت، ووقت وجوبها وهو غروب الشمس آخر ليلة من شهر رمضان، فمن ولد له ولد قبل غروبها أخرج عنه وكذا إذا أسلم الكافر قبل غروبها أخرجها عن نفسه، وأما إذا أسلم بعد الغروب.

 

أو ولد المولود بعد الغروب أو مات المسلم قبل الغروب فلا تلزمهم لأنهم لم يدركوا وقت وجوبها، وتؤدى زكاة الفطر قبل الخروج لصلاة العيد لحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال “أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة” ولا حرج أن تؤدى قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة، كما دلت السنة الصحيحة، وقيل من بكر في إخراجها قبل ذلك أعادها مرة أخرى، فاجتهدوا في إخراجها من أحب الأصناف اليكم وأنفسها عندكم لقوله تعالى “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” وتحروا بها الفقراء والمساكين، ولا بأس بإعطائها الفقير المسلم فى خارج البلد الذي أنت فيه إذا كان أشد حاجة وفاقة أو لم تعرف مستحقا فى المكان الذى أنت فيه، ومن ملك زكاة الفطر من الفقراء فالأمر إليه إن شاء أكل وإن شاء باع وإن شاء أهدى، وإن شاء تصدق، ولكن متى تخرج ؟

 

فإنه يجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين عند جمهور الفقهاء في الصحيحين فعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وقال نافع وكان ابن عمر رضى الله عنهما يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين وهذا قول الإمامين مالك واحمد، وحمل الشافعي التقييد بقبل الصلاة على الاستحباب وقال بجواز إخراجها من أول شهر رمضان لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب وقال أبو حنيفة يجوز تعديلها من أول الحول لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال، وقول مالك وأحمد أقرب إلى تحقيق المقصود، وهو إغناؤهم فى يوم العيد بالذات وإن كان بعض الحنابلة قال بجواز تعجيلها من بعد نصف الشهر فهذا القول أيسر على الناس وخاصة إذا كان من يتولى ذلك الجمعيات الخيرية المعنية بهذا الأمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى