مقال

سبحان الذي أسري بعبده ليلا ” جزء 10″

سبحان الذي أسري بعبده ليلا ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء العاشر مع سبحان الذي أسري بعبده ليلا، ولقد اهتم الإسلام باليتيم وحافظ على حقوقه، ومما يتعلق بالأموال أيضا و حبها هو منع الحقوق عن مستحقيها وإمساكها عن أصحابها من أهل الزكاة، وقد جاء عقاب ذلك زاجرا لكل من سولت له نفسه ان يمنعها عن حق الفقراء، وإذا نظرت بعين الاعتبار لوجدت أن الجزاء كان من جنس العمل، فكما أن من الأغنياء من منعوا زكاة أموالهم فلم يطعم الجائع ولم يكسى العاري ولم يعطى الفقير كذلك كان عقابهم بأنهم عراة ليس الا خرق بسيطة على إدبارهم واقبالهم ليس لهم طعام إلا من ضريع يساقون كما تساق الانعام فى صورة اكثر من مهينة على فعلتهم، وإن لمكانة الزكاة ترى أنها قرنت بالصلاة فى القران الكريم فى مواضع كثيرة، ولأهميتها في الحياة الاجتماعية فرضها الله تعالى على جميع أصحاب الشرائع السماوية.

فذكرها الله عز وجل في وصاياه إلى رسله، وفي وصايا رسله إلى أممهم، فالزكاة فريضة لازمة يكفر من جحدها، وتوعد المولى من منعها بعذاب اليم، وحتى يشمل المنهج جميع الاتجاهات ويشير إلى جميع الحرمات شمل أيضا ما يتعلق بالأعراض، ومن ذلك ما كان فى شأن جريمتي الزنا والغيبة، تلك الفاحشة التي ترفضها الفطر والعقول السليمة إذ تجمع خلال الشر كلها، وتتضمن الأضرار جميعها، بها تعمّ الأمراض الفتاكة في المجتمع، وعن طريقها تحل البلايا والرزايا بشتى أنواعها ومختلف صورها، وتخلط الأنساب، وتذهب بمعاني الأسرة الفاضلة، وتنزع البركات، وتضيق الأرزاق، ناهيك عما تحدثه من وحشة وعداوة بين بني الإنسان، وما توقعه من أمراض وأدواء متنوعة، أقلقت البشر، وأخافت الدول الصغار والكبار لذلك كانت جرما كبيرا.

تلك الجريمة مرض خطير وداء فتاك ومعول هدام وسلوك يفرق بين الأحباب وبهتان يغطي على محاسن الآخرين، ما أقبحها وما أفظعها إذ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها قلت للنبي صلي الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة، فقال” لقد قلتي كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته” رواه أبو داود والترمذي، والمعني أي غيرت هذه الكلمة ماء البحر، ولقد صورها القران بأبشع الصور وأشدها على الإنسان، كما أشارت رحلة الإسراء والمعراج إلى أكثر أسباب العذاب كما بين صلى الله عليه وسلم حيث قال “وهل يكب الناس علي مناخيرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم” ولقد صدق من قال أن الكلمة إذا لم تقلها فأنت مالكها ،أما إذا قلتها فقد ملكتك، إذ أن الكلمة أمرها خطير فبكلمة تشعل نار الفتن والحروب وبكلمة خُربت البيوت، وتألمت القلوب، وبكت العيون.

وتألمت النفوس وبكلمة فُرق بين زوجين، وبكلمة فُرق بين الأخ وأخيه، وبين الوالد وولده، وبين الولد ووالده، وبكلمه تحل امرأة وبكلمة تحرم وبكلمة يدخل العبد الإسلام وبكلمة يخرج، فالكلمة أمرها خطير، وكما أشارت معجزة الإسراء لكل من سار على الطريق المستقيم فأقام الصلاة وآتى الزكاة وحرم الحرام من الأموال والأعراض إلى الاستقامة على دين الله وعلى طاعته سبحانه والثبات على المبدأ والثبات على الحق لا يتزحزح بإغراء أو ترهيب وظهر ذلك جليا فى ما كان من ماشطة بنت فرعون، ثم تشير رحلة الإسراء بمسك الختام، وجزاء كل من سار على طريق الحق وتحلى بمكارم الأخلاق، وسلم المسلمون من لسانه ويده، وأدى الأمانات ولم يقرب الفواحش، وامسك عليه لسانه وحفظ للناس أموالهم وأعراضهم، وكذلك تشير بعقاب كل من سار في طرق الشيطان.

وترك عبادة الرحمن وافسد في الأرض فأهلك الحرث والنسل وسفك الدماء واغتصب الأموال وانتهك الأعراض، وإن تلك المرئيات تتعلق بالسلوك الفردي، وضرورة تربية الفرد على الأخلاق الحميدة، ومعالي القيم، التي تعود بالخير على المجتمع كله، ولاشك أن المجتمع إذا تأمل في تلك المرئيات، وعايشها كل فرد فيه، والتزم الجميع بمكارم الأخلاق، ونبذ الجميع سيئها، فوقف على خطورة الزنا، وخطورة أكل الأموال بغير حق والخوض في الأعراض فأدى الأمانات وحفظ لسانه وعطف على اليتيم واخرج الزكاة وأقام الصلوات واستقام على طاعة الله، أمسى مجتمع المسلمين خير المجتمعات وأنبلها، وأزكاها وأقواها، وأرقاها وأطهرها، ومن ثم نراه مجتمعا متماسك اللبنات قويا، راقيا، متقدما، يُشار إليه بالبنان، وهذا كل ما يسعى إليه الأفراد والمجتمعات، ومن ثم يتضح لنا جليا أن رحلة الإسراء والمعراج منهج حياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى