مقال

الدكروري يكتب عن معركة القادسية “جزء 3”

الدكروري يكتب عن معركة القادسية “جزء 3”

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع معركة القادسية، وهذه الكلمات ذكرها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضى الله عنه، لقائدة الصحابي خالد بن الوليد في أول فتوحات فارس في وصية قصيرة، كانت عبارة عن هذه الجملة ” إن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة، وإن تؤثروا أمر الدنيا على الآخرة تسلبوهما” وقد فهم القائد سعد بن أبي وقاص هذا المعنى وأراد توصيله إلى الجيش، فحمّست هذه الخطبة الناس، وتحفزوا للقاء الفرس، ثم قام عاصم بن عمرو في المجردة، فقال هذه بلاد قد أحل الله لكم أهلها، وأنتم تنالون منها منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم، وأنتم الأعلون والله معكم إن صبرتم، وصدقتموهم الضرب والطعن فلكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم، ولئن خرتم وفشلتم، والله لكم من ذلك جار وحافظ ، لم يُبقي هذا الجمع منكم باقية.

 

الله الله، اذكروا الأيام وما منحكم الله فيها، اجعلوا همّكم الآخرة، يا معاشر العرب إنكم تخاطرون بالجنة وهم يخاطرون بالدنيا، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم، لا تحدثوا أمرا تكونون به شينا على العرب، ثم أرسل القائد سعد بن أبي وقاص إلى كل من له كلمة، وكل من له خطابة في المسلمين حتى يخطب في الجيش ويحفز الناس، فقام قيس بن هبيرة فقال “أيها الناس، احمدوا الله على ما هداكم يزدكم، واذكروا آلاء الله فإن الجنة أو الغنيمة أمامكم” ثم يعرض للمسلمين بشيء محبّب إلى النفوس، فيقول لهم “وإنه ليس وراء هذا القصر، ويقصد قصر قديس إلا العراء، والأرض القَفر، والظراب الخشن، أي التلال الصغيرة، والفلوات التي لا يقطعها الأدلة، يريد أنكم تاركون هذه الصحراء إلى جنات فارس الخضراء” ثم يقوم غالب بن عبد الله فيقول.

 

“أيها الناس، احمدوا الله على ما أبلاكم، وسلوه يزدكم، وادعوه يجبكم، يا معاشر العرب ما علتكم اليوم وأنتم في حصونكم، أي على خيولكم، ومعكم من لا يعصيكم، أي السيوف ؟ واذكروا حديث الناس في الغد، فغدا يبدأ بكم ويُثنى بمن بعدكم” ثم يقوم ابن الهذيل في القادسية، فيقول “يا معاشر العرب، اجعلوا حصونكم السيوف، وكونوا عليها كالأسود، وتربّدوا تربّد النمور، وثقوا بالله، وإن كلت السيوف فأرسلوا عليهم الجنادل ،أي الحجارة، فإنها يؤذن لها فيما لا يُؤذن للحديد فيه” ثم قام ربعي بن عامر فقال “أيها المسلمون، إن الله قد هداكم للإسلام، وجمعكم به، وأراكم الزيادة فاشكروه يزدكم، واعلموا أن في الصبر الراحة فعوّدوا أنفسكم على الصبر تعتادوه، ولا تعودوها على الجزع فتعتادوه” فحمي المسلمون، وقَويت شوكتهم، وتحفزوا للقتال.

 

وهذه بدايات الجيش الإسلامي التي جعلته يدخل المعركة بروح عالية، بينما كان الجيش الفارسي لا يريد دخول المعركة، وقد ملأ الشعور الهزيمة قلب رستم، وقد رأى رؤييين أن النبي صلي الله عليه وسلم يأخذ سلاحه، ويختم عليه، ويعطيه لعمر بن الخطاب رضى الله عنه، ثم يعطيه لسعد بن أبى وقاص، فدخل المعركة بهذا الشعور الانهزامي، على النقيض من الجيش الإسلامي الذي كان يتمتع بالروح العالية، ثم يرسل القائد سعد بن أبي وقاص بيانا إلى الناس، وذلك قبل صلاة الظهر ليُقرأَ على كل الكتائب، ويقول لهم فيه ” الزموا مواقفكم لا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم الظهر فإني مُكبر تكبيرة، فإذا كبرت فكبروا، ثم شدوا شُسوع نعالكم، واعلموا أن التكبير لم يُعطه أحد من قبلكم، وإنما أعطي لكم لتأييدكم” فالله أكبر من الفرس ومن الروم.

 

الله أكبر من كل أهل الأرض إذا كانوا يحاربون الله ورسله، ويحاربون من ساند دين الله، فهذه الكلمة كانت علامة البدء وكلمة السر عند المسلمين، وذكرهم القائد سعد بن أبي وقاص بأن هذه الكلمة هدية من الله تعالي لهم، فعليهم أن يقدروا قيمتها، فإذا كبرت التكبيرة الثانية فكبروا وتهيئوا ولتستتموا عُدتكم، فإذا كبرت الثالثة فكبروا، وليخرج فرسانكم وليخرج أهل النجدة والبلاء، وليُنشّط فرسانكم الناس على القتال، ليبارزوا ويطاردوا، وما زال الجيش واقفا ولم يلتحم بعد مع الجيش الفارسي، ولم يخرج غير كتيبة الفرسان للقتال، فإذا كبرت الرابعة فشدوا النواجذ على الأضراس، واحملوا وازحفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم، وقولوا “لا حول ولا قوة إلا بالله ” وقد استعان بها المسلمون على فتح حصون الفرس، واستعانوا بها على فتح حصن الأنبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى