مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 5”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام إبن كثير، وكان من فضائل الشيخ العلامه بن كثير هو الإصلاح الديني، حيث نزل الإسلام صافيا من السماء، وبلغه رسوله الكريم محمد صلي الله عليه وسلم حتى لحق بالرفيق الأعلى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء، والتزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الطريق القويم، وأدوا الأمانة، ونشروا الإسلام في الخافقين، وسار التابعون وتابعو التابعين على نهجهم، فكانوا خير القرون في تطبيق الإسلام، ونصاعة مبادئه، ثم بدأ يعلق به الغبار مع الأيام، وتضاف إليه بعض الأمور التي لا تتفق مع جوهر الدين، وتلحق به البدع والخرافات شيئا فشيئا، وقد تستشري في بعض الأحيان لتشوه صورة الإسلام النقية، وهنا يأتي دور العلماء والدعاة والمصلحين الذين ينادون بالدعوة إلى تطبيق الإسلام، والعودة إلى مبادئه الصافية.

وتطهيره من البدع والخرافات، وقد ظهر في القرن السابع والثامن الهجريين علماء أفذاذ يمثلون هذا الاتجاه الإصلاحي، وكان الأشهر والأبرز في هذه المدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي وقف في وجه البدع والخرافات الموجودة والمنتشرة في ذلك الوقت، ورفع الراية في وجه المبتدعة وغلاة الصوفية، وكان من نتيجة ذلك أن انقسم العلماء والفقهاء والحكام والناس في شأن ابن تيمية إلى فريقين، فتحامل عليه علماء الصوفية، وكثير من الفقهاء والقضاة حتى وشوا به عند الحكام، فوقف بعضهم بجانبه، والبعض الآخر وقف ضده، وكان من الذين وقفوا مع ابن تيمية وناصروه ابن كثير رحمه الله، وترى السلفية أنه سلفي الاعتقاد في غالب بل كل مؤلفاته، فكان يصرح بها، ولعل المتتبع البسيط لتفسيره وهو تفسير القرآن العظيم يرى بوضح وبدون أدنى لبس أنه على عقيدة شيخه ابن تيمية.

وكذلك ما كتبه في أول كتابه الجليل “البداية والنهاية” عن علو الله على عرشه وإثبات صفة العلو والفوقية لله العلي القدير، أما ما أثير حول كونه أشعريا، لقبوله مشيخة دار الحديث الأشرفية التي شرط وقفها أن يكون المدرس فيها أشعريا، فهو شرط غير ملزم، وقد ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية علماء سلفيون من قبله مثل الحافظ جمال الدين المزي والحافظ أبو عمرو بن الصلاح، أما ما رواه الحافظ ابن حجر فهي كما قال نادرة وقعت بينهما، ولم تكن في مقام البيان والإقرار، ولا مانع من كون هذه الكلمة على فرض صحتها أنها خرجت منه على سبيل الفكاهة فهذا الحافظ ابن حجر يقول عنه في الدرر الكامنة “وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه، وامتحن بسببه وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، وسارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته.

فنجد الحافظ ابن حجر يقول أنه حسن المفاكهة، والمقصود بقوله “لأنني أشعري” هو ما وضحه إبراهيم بن ابن القيم حين قال له “لو كان من رأسك إلى قدمك شعر” أي كثرة الشعر، وهذا من باب المعاريض، وهو جائز في المفاكهة والتندر بلا ريب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله الرجل في غزوة بدر من أين أنت قال أنا من ماء، وهذا ما يسمى تعريض، ومما يقوي رأي السلفية هو ما قاله ابن كثير بنفسه عن رجوع الأشعري عن ما قاله في العقيدة، فلو كان ابن كثير أشعري فهو إذن على العقيدة التي يعتقد أن الأشعري استقر عليها آخر عمره، كما يقوي ذلك شدة تأثره بإبن تيمية وتبجيله له وانتصاره له حتى توفي ودفن بجواره، وقد خالف ابن كثير أصول الأشاعرة وردهم في كثير من المواضع، وكان مساندا لشيخه الإمام ابن تيمية وبالذات في مسائل الاعتقاد.

فالذهاب إلى أنه أشعري لحادثة قبوله الوظيفة، فهو يعلم أنه لا يلزم صاحب الوقف هذا الشرط في الوقف، بل إن ابن كثير نشر عقيدة السلف وخالف الأشاعرة في دروسه، وعامة تلامذته من السلفية، وأن مرد الكلام كله أن صاحب الكلام أعني السبكي، كان عدوا لدودا لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو أحد أهم الأسباب في سجن ابن تيمية، وكان ذو نفوذ وقوة عند حاكم البلاد، فسطر في كتابه ما أراد كونه أشعريا، وكان الكل من طلاب شيخ الإسلام مثل إبن كثير وأبن القيم وغيرهم، يدركون أن مواجهة السبكي تعني سجن القلعة، وحدث هذا بالفعل للإمام ابن القيم فقد سجن هو الآخر، ولكن ابن كثير اتقى وابتعد عن مواجهة السبكي، فلا يصح الاستدلال بأدلة الغريم والقرائن وهذا معلوم عند أهل الأصول والعلم، وكان منهج الشيخ العلامة ابن كثير في تفسيره هو تفسير الآية بعبارة سهلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى