مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ورش ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ورش ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام ورش، كما يختص بتغليظ اللام إذا كان ما قبلها حرف الطاء أو الظاء أو الصاد أو الضاد، وولد الإمام ورش في صعيد مصر في الوجه القبلي سنة مائة وعشر هجرية و رحل إلى شيخه الإمام نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم تلميذ الإمام مالك في المدينة المنورة ليتلقى عنه قراءة القرآن وختم عليه القرآن الكريم عدة مرات عام مائة وخمس وخمسين هجرية وعاد إلى مصر، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، وكان الإمام ورش أشقر الشعر وأبيض البشرة وأزرق العينين، قصيرا ذا كدنة هو إلى السمن أقرب منه إلى النحافة، فقيل إن شيخه الإمام نافع لقبه بالورشان، وكان الإمام نافع يقول هات يا ورشان، واقرأ يا ورشان وأين الورشان؟ ثم خفف الاسم فقيل ورش، ولزمه ذلك حتى صار لا يعرف إلا به ولم يكن فيما قيل أحب إليه منه.

فيقول أستاذي سماني به، وكان الإمام ورش ثقة حجة في قراءة القرآن الكرم، وقال عنه الإمام ابن الجزري وروينا عن يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا ورش وكان جيد القراءة حسن الصوت، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب لا يمله سامعه، وقال عنه الإمام النحاس قال لي أبو يعقوب الأزرق إن ورشا لما تعمق في النحو وأحكمه اتخذ لنفسه مقرأ يسـمى مقرأ ورش، وقد قال الإمام مالك عن قراءة نافع شيخ ورش قراءة أهل المدينة سنة، قيل له قراءة نافع؟ قال نعم، وحينما سئل عن حكم الجهر بالبسملة أثناء الصلاة قال سلوا نافعا فكل علم يسأل عنه أهله، ونافع إمام الناس في القراءة، ويحكي الإمام ورش قصه ارتحاله إلى المدينة المنورة ليقرأ على شيخه الإمام نافع فيقول الإمام ورش أنه قال خرجت من مصر لأقرأ على نافع، فلمّا وصلت إلى المدينة صرت إلى مسجد نافع.

فإذا هو لا تطاق القراءة عليه من كثرتهم، وإنما يُقرئ ثلاثين، فجلست خلف الحلقة، وقلت لإنسان من أكبر الناس عند نافع، فقال لي كبير الجعفريين، فقلت فكيف به؟ قال أنا أجيء معك إلى منزله، وجئنا إلى منزله، فخرج شيخ، فقلت أنا من مصر، جئت لأقرأ على نافع، فلم أصل إليه، وعلمت أنك من أصدق الناس له، وأنا أريد أن تكون الوسيلةَ إليه، فقال نعم وكرامة، وأخذ طيلسانه ومضى معنا إلى نافع، وكان لنافع كنيتان أبو رويم وأبو عبدالله، فبأيهما نودي عليه أجاب، فقال له الجعفري هذا وسيلتي إليك، جاء من مصر، ليس معه تجارة ولا جاء لحج، إنما جاء للقراءة خاصة، فقال ترى ما ألقى من أبناء المهاجرين والأنصار، فقال صديقه تحتال له، فقال لي نافع أيمكنك أن تبيت في المسجد؟ قلت نعم، فبت في المسجد، فلما أن كان الفجر جاء نافع، فقال ما فعل الغريب؟

فقلت ها أنا رحمك الله، قال أنت أولى بالقراءة، قال وكنت مع ذلك حسن الصوت مدّادا به، فاستفتحت فملأ صوتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأت ثلاثين آية، فأشار بيده أن اسكت، فسكت، فقام إليه شاب من الحلقة فقال يا معلم أعزك الله نحن معك، وهذا رجل غريب وإنما رحل للقراءة عليك، وقد جعلت له عشرا واقتصر على عشرين، فقال نعم وكرامة، فقرأت عشرا، فقام فتى آخر فقال كقول صاحبه، فقرأت عشرا وقعدت، حتى لم يبقي له أحد ممن له قراءة، فقال لي اقرأ، فأقرأني خمسين آية، فما زلت أقرأ عليه خمسين في خمسين حتى قرأت عليه ختمات، قبل أن أخرج من المدينة، وصارت رواية ورش عن نافع تبعا للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني الصحيح في بلاد المغرب العربي، ويعرف المسلمون رواية حفص عن عاصم في تلاوة القرآن الكريم، خاصة وأنه معمول به في أغلب بلدان العالم الإسلامي.

ولكن من أشهر أعلام التلاوة والنقل في القرآن الكريم رواية ورش، فالإمام ورش من بين أعلام التلاوة الذين أنجبتهم مصر، وكيف لا وهو صاحب أشهر قراءات القرآن الكريم بعد رواية حفص عن عاصم، وفى هذا يقول الإمام الشاطبي معرفا بتلاميذ الإمام نافع قالون وورش، وروى يونس بن عبد الأعلى عن شيخه ورش أنه قال كانوا يهبون لي أسباقهم، حتى كنت أقرأ عليه كل يوم سبعا، وختمت في سبعة أيام، فلم أزل كذلك حتى ختمت عليه أربع ختمات في شهر وخرجت، وهذه الرواية تدل على أن ورشا مكث عند نافع مدة شهر فقط، أخذ فيه القراءة عنه، ونتيجة لهذا الجهد من ذلك العالم الفذ خُلد اسمه علما على أحد أشهر قراءات القرءان الكريم في أنحاء العالم الإسلامي، وتردد اسمه مع مئات ملايين التلاوات التي تبدأ ببقراءة ورش عن نافع.

وتعد قراءة ورش المصري عن نافع المدني هي الرواية المنتشرة في بلاد المغرب العربي وهي تونس، والجزائر، والمغرب وموريتانيا، والسنغال، وبعض نواحي مصر، وليبيا، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا وغيرها، وهي الرواية التي كان لَها الانتشار الأصلي في القرون الأولى في مصر، ومنها انتشرت إلى تلك البلدان، وهى ثاني أكثر القراءات شيوعا في العالم الإسلامي بعد رواية حفص عن عاصم، واستمرت قراءة ورش السائدة في مصر، ولها الشيوع والانتشار حتي دخول العثمانيين إليها عام ألف وخمسمائة وسبعة عشر ميلادي، الذين عمموا بها قراءة حفص عن عاصم الأكثر انتشارا والأيسر على الألسن كما أصبح المذهب الحنفي هو مذهب الدولة السائد، وتوفي الإمام ورش بمصر سنة مائة وسبع وتسعين من الهجرة، عن عمر ناهز سبع وثمانين سنة.

ودفن في مقبرة القرافة الصغرى، في مدافن الإمام الشافعي بسفح المقطم وأصبحت مجهولة للناس بعد أن دخلت لاحقا مع تقدم الزمن ضمن مقبرة عائلة عبد الفتاح بك محرم أحد قضاة المحاكم الأهلية، وهكذا يقع قبره داخل حوش عائلة عبد الفتاح بك محرم، وهو تقاطع شارعي الفارسى وابن حبيش تجاه شارع ابن الجباس، مقابر الإمام الشافعي بالقاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى