مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد الغزالي ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد الغزالي ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام محمد الغزالي، وأما عن أبرز أفكار محمد الغزالي وكيف تجلى تجديد الدعوة في نظر الغزالي؟ فقد حمل الإمام الغزالي مجموعة من الأفكار التي آمن فيها، ومن بينها أن المرأة لها الحق في المشاركة في الحياة الاجتماعية وبنائها في حدود الأدب، والمرأة شقيقة الرجل فلها الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعلم الأسرة هي الخلية الأولى التي ينشأ المجتمع عنها، والرجل هو رب الأسرة الذي تناط به مسؤوليات الحفاظ على الأسرة كما شرّع الله تعالى في كتابه وسُنة نبيه، والحُكام هم خدم للشعوب وأجراء عندهم، وتقتضي المصلحة أن يقوموا على أمر الرعية ويكون ذلك باختيار السواد الأعظم من الشعب لهم، وأن الشورى هي القاعدة الأساسيَة لأي دولة وحُكم، ولا يجب أن تنبني الشورى على مصالح دنيوية وشخصية، بل يُشاور من كان أهلا لذلك.

 

وأن الملكية الخاصة يجب أن تكون غير منتهكة من قبل أي أحد، والأمة كلها كالجسد الواحد فلا تزدري طائفة طائفة أخرى، وأن اختلاف الديانة ليس مسوّغا للحرب أو الاعتداء، بل تكون الحرب عند تعرّض أي من الفئات للظلم من فئة أخرى، وأن الدعاة لدين الله لا يحملون في قلوبهم شرا ولا ضغينة، بل هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالموعظة والقول الحسن، وأن مشاركة الأمة الإسلامية في جميع ما يرتقي بالأمة من الناحية المادية والمعنوية مع الدول الأخرى على اختلاف مذهب الدولة أو العقيدة أو ما إلى ذلك، وأما عن الآراء المعارضة لمحمد الغزالي والمآخذ التي أخذها علماء الأمة على الغزالي؟ فكان أولها هو قلب الحقائق حيث زعم الشيخ أبو إسحاق الحويني أن الغزالي يقلب الحقائق في بعض المواقع، وقال الحويني إنه يُحسن الظن بالغزالي.

 

فهو لم يفعلها عن قصد بل غلبه مخالفوه فأساء التصرف، ومن ذلك أن الغزالي جعل دية المرأة في دمها كدية الرجل، فيرى الغزالي أن الفقهاء والمحققين قد نفوا أن تكون دية المرأة بقدر نصف دية الرجل لأن في ذلك امتهان للمرأة فذلك يعني أن دمها أرخص من دم الرجل، فيعقّب الحويني على ذلك بأن الغزالي قد تسرع في كلامه ذاك، وفوق ذلك فهو لم يذكر اسم محدّث واحد قال بذلك الأمر ممن جاز القول عنهم إنهم أهل حديث، فقول الغزالي ذاك كما ذكر الحويني هو قول عامة أهل الفقه ولا يجوز نسبة هذا القول إلى المحدثين فقد ذكر ابن المنذر أن من قال إن دية المرأة كدية الرجل فقوله شاذ خالف به الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضا من الإنتقادات هو موضوع قصة إحياء والدي النبي صلي الله عليه وسلم، حيث قال الغزالي في بعض كتبه إن الله تعالى.

 

أحيا والدي النبي عليه الصلاة السلام فآمنا به، فيعقّب عليه الدكتور سلمان العودة مستندا إلى عدة أدلة أن تلك القصة هي غير متناقلة بين الصحابة، ولو حدث ذلك فعلا لكان الصحابة أول من يتناقل الخبر لندرة حدوث ذلك، عدا عن أن هذه القصة تخالف القاعدة الشرعية التي تقضي بأن الإنسان إذا مات انتهى عمله وحان وقت الجزاء، وكثر هم أقارب الأنبياء الذين لم يؤمنوا كابن نوح ووالد إبراهيم عليهما السلام، وقد رحل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله إلى ربه فجأة، تاركا وراءه رصيدا كبيرا من الكتب والمقالات والدراسات الفكرية، وتجربة غنية في مجال الدعوة إلى الله، في هذا القرن الذي شهدت فيه الأمة الإسلامية تحديات عظيمة، كان أعظمها سقوط الخلافة الإسلامية، ثم هذا التردي الحضاري الذي يعيشه المسلمون اليوم بعدما تركوا قيم الإسلام ومبادئه.

 

ثم إنهم تركوا زمام المبادرة إلى أمم أخرى لتصنع التاريخ، وتبني المدنيات وفق المناهج الوضعية، فكان أن هيمنت الفلسفات المادية، وسادت النظريات الغربية التي لا تعترف لله بسلطة أو وجود، وقد ظل الشيخ الغزالي بما حباه الله من عمق في الفكر، وسعة في الصدر، وبعد في النظر، يصارع تلك الفلسفات الغريبة، والأنظمة الملحدة، داعياً إلى تصحيح المنهج، وتقويم التصور، والعودة إلى ينابيع الإسلام الصافية، وظل الشيخ طوال خمسين سنة مرشدا للصحوة الإسلامية، ومدافعا عن الإسلام في معاركه مع القوى المضادة، وظل يدعو إلى الفهم السليم في التعامل مع القرآن الكريم والسنة النبوية والتراث الإسلامي العريض، هذا مع الاستفادة من معطيات العصر النافعة في مجال العلوم والتقنية الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى