مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 9″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء التاسع مع شهر الجهاد والصبر، وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا” ولنعلم أن البخل دركات كما أن الجود والسخاء على درجات، فقال ابن قدامة أشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم ممن بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث شاء، وإن البخيل لا يبخل إلا على نفسه، فهو حارم لنفسه من الخيرات والمسرات، طاعة لهواه وما تمليه عليه نفسه من سوء الظن بالله تعالى، فيقول تعالى.

“هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء إليه” ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من البخل وهو أكرم الخلق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات” رواه البخارى ومسلم، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل” رواه مسلم، حتى لقد عد النبى صلى الله عليه وسلم البخل أدوى الداء، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” وأي داء أدوى من البخل؟” رواه البخارى ومسلم.

وكما أن البخل دركات، فهو كذلك أنواع فليس البخل محصورا على البخل بالمال بل البخل أيضا يكون بالنفس كالجبان عن أرض الوغى، حمى عن الدين ونشر للإسلام، ويكون كذلك بالبخل عن الطاعة، كالذى يبخل بالسلام فعن عبدالله بن مغفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وأبخل الناس من بخل بالسلام” وكذلك من يبخل بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند ورود ذكره، فعن الإمام علي رضى الله عنه قال، إن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” البخيل من ذُكرت عنده ثم لم يصل علي صلى الله عليه وسلم” رواه الترمذى، فإن البخل داء عضال، بل هو شر الأدواء، خصوصا إذا تمكن من قلب، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم”شر ما فى رجل شحّ هالع وجبن خالع” رواه أبو داود، ولو لم يكن في البراءة من الشح إلا الفلاح لكان لزاما على المرء أن يسعى إليه جاهدا.

فقال تعالى ” ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” وكان عبد الرحمن بن عوف يطوف بالبيت وليس له دأب إلا هذه الدعوة “رب قنى شح نفسي، رب قنى شح نفسى” فقيل له أما تدعو بغير هذه الدعوة؟ فقال إذا وقيت شح نفسي فقد أفلحت، وقال ابن القيم رحمه الله والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله وقريب من الجنة وبعيد من النار والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار فجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده، وإن هناك فرق بين السخاء والتبذير، فإن حد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، والبخل عكس ذلك، وقال ابن القيم رحمه الله “وللسخاء حد فمن وقف على حده سمى كريما، وكان للحمد مستوجبا، ومن قصر عنه كان بخيلا وكان للذم مستوجبا” ولقد فطرت النفس على محبة المال.

فقال تعالى ” وإنه لحب الخير لشديد” وقال تعالى ” زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة” وقال تعالى ” وتحبون المال حبا جما” ولكن السخي الكريم هو الذى يعصي نفسه ويأطرها على الكرم أطرّا، وقال طلحة بن عبيد الله “إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء لكننا نتصبر” فإن البخل عدو الصلاح، فقال حبيش بن مبشر “جلست إلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون، فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلا صالحا بخيلا” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم “لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا” رواه النسائى،‌ وقال الشعبى “لا أدرى أيهما أبعد غورا في نار جهنم، البخل أو الكذب” فإن البخيل خازن لماله وحارس له حتى يتقاضاه منه الورثة رغما عن أنفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى