مقال

الدكروري يكتب عن الإمام تقي الدين السبكي ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام تقي الدين السبكي ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السادس مع الإمام تقي الدين السبكي، وحديثه في العفة عن الأموال علالة السامر، ليس في بابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهاب، ومات الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله وهو يعظمه ويختار أكبر الجوهر للثناء عليه، فجمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم، ما بين خط أذا رمقته العيون قالت هذا خط ابن مقلة، ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله، ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله، صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها، وامتطى غاربها، وملك زمانها، وكملها من كل علم بأكمل نصيب، ضاربا فيه بالسهم المصيب، مشمرا فيه عن ساق الجد والاجتهاد، متوقدا ذكاء، مع ارتياض وارتياد إلى من هو عن ذلك كله بمعزل ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئا مما نظم ولعمري، لقد استسمن ذا ورم ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبة من المسائل.

على تبلد خاطر وكلال قريحة، وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيحة، فأبى لمثلي شعر ولا شعور، أو يكون لي منظوم ومنثور؟ غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها إما محبة التشبه بأهل الأدب، وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب، وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها وأقول دعها تبلغ من أمانيها، فنظمت ما يستحى من ذكره ويستحق أن يبالغ في ستره ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب، أذكر لك منه حسب ما أمرت نبذا، وأقطع لك منه فلذا، فمن ذلك في سنة ست وسبع مائة، وقد كان نزل عن منصب القضاء لولده تاج الدين بعد أن مرض فلما استقر تاج الدين وباشر توجه الشيخ تقي الدين إلى القاهرة وأقام بها قليلا في دار على شط النيل وهو موعوك إلى أن مات في ثالث جمادى الآخرة سنة سبعمائة وست وخمسين من الهجرة، فكانت إقامته بالقاهرة نحو العشرين يوما.

وكان وصول التقليد لتاج الدين في ثالث عشر شهر ربيع الأول ولبس الخلعة في النصف منه وباشر ثم عوفي أبوه وركب وحضر معه بعض الدروس وحكم بحضرته وسربه وتوجه إلى القاهرة في سادس عشري شهر ربيع الآخر من السنة ولما دخلها شاع بعض الناس إن ولده بهاء الدين سعى له في قضاء الديار المصرية ثم لما مات سعى ولده أن يدفن عند الإمام الشافعي داخل القبة فامتنع شيخو من إجابة سؤاله فدفنه بسعيد السعداء، وهكذا انتمى الإمام تقي الدين السبكي لأسرة مهتمة بالعلوم، ميسورة الحال، ذات مكانة اجتماعية، وحينما تزوج الإمام من ابنة عمه وقع اتفاق مع أبيها على أن لا تسأله من متاع الدنيا شيئا على أن يتولى والده بذلك، ليتسنى للشاب الاعتكاف على طلب العلم والانشغال به، وحينما أخلت الزوجة بهذه الشروط، وطلبت من زوجها تقي الدين أمورا بسيطة تطلبها كل امرأة من بعلها استشاط والدها غضبا لذلك.

وعاش السبكي منعما تحت رعاية أبويه، فكان لا يدري كيف يجلب الدرهم والدينار، ولا يعرف شيئا من حال نفسه وحاجة زوجته، بفضل علم والده الوافر فقد كان والده أولى من تولى تعليم وتفقيه نجله في صغره، والذي حين شب كان على قدر طموح أسرته، فقد أعلى ذكر السبكية، وكان لبنة قوية وفرعا زكيا من فروع تلك الأسرة العلمية، فهو صاحب سيرة حميدة، وسمعة مجيدة، ومؤلفات نافعة وعديدة، وقد أنجب الإمام ثلاثة أبناء هم جمال الدين أبو الطيب الحسين، وبهاء الدين أبو حامد الكافي، وتاج الدين السبكي صاحب الطبقات والذي فاقت شهرته شهرة أبيه، وكانت نهاية حياته أنه استبد بالإمام تقي الدين السّبكي المرض وبدأ فيه الضعف في سنة سبعمائة وخمس وخمسون من الهجرة، واستمر به الحال على مرضه في دمشق إلى أن ولي ابنه الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي.

فمكث في دمشق عدة شهور ثم سافر تقي الدين علي السبكي إلى مصر، فودعه الناس والقلوب متلهفة من حوله تخشى عليه وعثاء السفر مع الكبر والضعف والمرض، فوصل إلى مصر وأقام بها دون عشرين يوما وفي ليلة الاثنين الثالث من جمادى الآخرة سنة سبعمائة وست وخمسين من الهجرة، فاضت روح الشيخ تقي الدين السبكي عن عمر ناهز الثلاثة وسبعين سنة، فنادي منادي في المدينة أن قد مات آخر المجتهدين، مات عالم الزمان، ثم حمل العلماء نعشه، فازدحم الخلق وسار به السائرون حتى دفن بمقبرة سعيد السعداء خارج باب النصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى