مقال

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع شهر الإنتصارات والفتوحات، تلك التى تقدمت فى البلاد تقتل وتخرب وتدمر كل شيء، فدمرت الحضارة ودور العبادة، وأصبحت خطرا على البشرية جمعاء، واندفعت هذه الجيوش الهمجية عبر إيران إلى العراق وجاءت بغداد فهدمت القصور وسفكت الدماء وأحرقت الكتب ودمرت كل شيء، وبدأت مدن الشام تتساقط في أيديهم حتى وصلوا إلى غزة، وازداد غرور المغول وتوحشهم ولكن الله جند من يتصدى لهم، وهو القائد سيف الدين قطز، فزحف جيش المسلمين إلى عين جالوت في المنطقة التي تقع بين بيسان ونابلس بفلسطين، وقاد المظفر قطز المسلمين، وكان المغول بقيادة كتبغا، ووجه الجيش الإسلامي هجوما قويا شديدا على جموع التتار، وكسر شوكتهم، وعلت راية الإسلام، وانتهى اليوم الخالد بانتصار المسلمين نصرا هائلا أوقف زحف المغول.

 

بعدما لم يكن يظن أحد فى تلك الأيام أنه ستقوم للإسلام قائمة، فقد رثا الشعراء والأدباء والخطباء الإسلام والمسلمين، ولم يدر في خلد أحد منهم أن عبدا مملوكا سيعيد للإسلام والمسلمين هيبتهم ومجدهم الغابر، ويبدو أن الإنتصارات بشتى أنواعها وإختلاف مجالاتها في شهر رمضان، مرتبطة إرتباطا وثيقا ببعضها البعض، فكلما إرتفع مؤشر هذه إرتفع منسوب تلك وإقترب موعدها وتوفرت أسبابها، وكلما حدث فشل وتقصير في هذه، أصبحت الأخرى بعيدة المنال وهكذا، وقد قيل من لم ينتصر في حى على الفلاح، لاينتصر في حى على الكفاح ، كمثال على هذا الإرتباط، لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الإنتصارات بمفهومها الشامل، وقد أحصيت عددا معتبرا من الإنتصارات التى يجب على المؤمن الصائم أن يحققها وينجح فى إمتحانها.

 

ليتاكد ويطمئن أنه فعلا إستطاع أن يستثمر أجواء الإنتصارات الإيمانية الرمضانية وخرج منها بحظ وافر، وكان رمضان منطلقا بالأمة إلى العالمية حيث وثب فيه المسلمون وثبتهم الكبرى إلى قلب أوروبا، وقد خرجوا من حدود الجزيرة العربية إلى العالمية، حيث حملوا رايات التوحيد إلى قلب العالم النصرانى والوثني، وذلك مبكرا جدا عندما فتح المسلمون جزيرة رودوس سنة ثلاثه وخمسين من الهجرة ثم وثب المسلمون أكبر وثباتهم وفتحوا الأندلس فى معركة وادى لكة الشهيرة سنة اثنين وتسعين من الهجرة وأصبح غرب القارة الأوروبية مسلما يتردد الأذان في جنباته، ثم فتح المسلمون جزيرة صقلية سنة مائتان واثنتى عشر من الهجرة عندما قاد القائد الفقيه المحدث أسد بن الفرات جيوش المسلمين لمعركة سهل بلاطة في التاسع من رمضان سنة مائتان واثنتى عشر من الهجرة ليفتح أكبر جزر البحر المتوسط.

 

ويصبح المسلمون على بعد خمسة أميال فقط من إيطاليا حيث مقر النصرانية العالمية، وفى الثامن والعشرين رمضان سنة اثنين وتسعين من الهجرة نشبت معركة شذونة أو وادى لكة بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد والقوط بقيادة لذريق، وكان النصر حليف المسلمين، وقد هيأ ذلك النصر أن يدخل الإسلام إلى أسبانيا، التي كانت تسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية، وأن تفتح الأندلس وتضم إلى كيان الدولة الإسلامية، وأن تظل دولة مسلمة ثمانية قرون، وتم التقدم فى فتح الأندلس بهذا النوع المتميز من أجناد العقيدة الإسلامية فى أجواء رمضان المعطرة بشذا الإيمان وبندى الإسلام، فبدا ذلك سهلا أمام هذا النوع من الجند، فقد استهانوا بالصعاب وبذلوا النفوس رخيصة من أجل رفع شأن الإسلام وحضارته الحقة، فأمام هذا النوع من الجند كانت التضحيات كثيرة والجهد كبير، والدروب شاقة.

 

والمناخ شديد، والجو غريب، والأرض صخرية عنيفة، وكان مستوى العقيدة أعلى من ذلك وأكبر، فانساب الفاتحون بهذه السرعة، فبدت لهم كأنها نزهة روحية من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وهي سبب راحة المؤمن وفرحته بنصر الله إن عاش، وبجنته إن استشهد، وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى فى سورة التوبة ” قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين” ولقد نتج عن هذا الفتح المبين أن انطلقت الأمة الإسلامية انطلاقتها الحضارية، ووصل إشعاعها إلى أوروبا المظلمة آنذاك، ثم واصل المسلمون انطلاقهم إلى العالمية لنشر التوحيد بين ربوع المعمورة، وفتح العثمانيون بقيادة سليمان القانونى بلجراد عاصمة الصرب في رمضان سنة تسعمائة وسبعة وعشرون من الهجرة وأصبحت بلجراد مدينة إسلامية، وانتشرت فيها المساجد، حتى بلغ تعدادها مائتين وخمسين مسجدا قام الصرب بإحراقها جميعا بعد سقوط الدولة العثمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى