مقال

الدكروري يكتب عن الرسول الكريم في بدر ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الرسول الكريم في بدر ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الرسول الكريم في بدر، قال نعم، فأخذ شاة، فقلت انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى، ففعل وحلب في قَعب معه كثبة أى شيئا قليلا من لبن، ومعى إداوة حملتها للنبى صلى الله عليه وسلم يرتوى ويشرب ويتوضأ، فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فكرهت أن أوقظه، فوقَفت حتى استيقظ، فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله، فقلت اشرب يا رسول الله، قال فشرِب حتى رضيت، ثم قال لى “ألم يأن للرحيل؟” قلت بلى، فارتحلنا بعد ما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك بن جُعشم، ونحن فى جلد، أى فى صُلب من الأرض، فقلت يا رسول، أتينا، فقال “لا تحزن، إن الله معنا” فدعا عليه النبى صلى الله عليه وسلم، فارتطمت يد فرسه إلى بطنها، فقال إنى قد علمت أنكما دعوتما عليّ، فادعوا لى، فالله لكما أن أَردّ عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فجعل لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتم، ما ها هنا، فلا يلقى أحدا إلا رده، قال “ووفى لنا” رواه البخارى ومسلم، وهكذا جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، فإن الجهاد فى سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد فى فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق فى جهاد أعداء رب العالمين.

 

وهو فرض كفاية على المسلمين، إذا قام به من يكفى سقط عن الباقين، ويقول المؤرخون إن هذه الرحلة قد استمرت سبعة أيام متتابعة، وقد كانت فى أيام قَيظ، حتى إن بعض المؤرخين يذهب إلى أنها كانت في شهر يوليه، ويقول آخرون اعتمادا على حساب فلكى إنها كانت فى سبتمبر، وعلى كلا الرأيين فهى في وقت شديد الحرارة، وخاصة فى جزيرة العرب، وما أن بلغ أهل المدينة مقدم رسول الله، حتى خرجوا إليه يستقبلونه، وقد كانوا ينتظرون قدومه كل يوم، حتى إذا زال الظل عنهم، رجعوا إلى ديارهم، وفى آخر يوم من رجوعهم، سمعوا رجلا من اليهود ينادى بأعلى صوته فوق إحدى آكام المدينة وهو يقول “يا معشر العرب، هذا جدكم أى حظكم الذى تنتظرون” فخرجوا يحملون أسلحتهم إعزازا لرسول الله، وتكريما لدين ربهم الذى أنعم عليهم به على يد محمد بن عبدالله وليد مكة.

 

والمهاجر منها إلى المدينة، التى أصبحت فيما بعد مركز الدعوة الإسلامية، والهداية الإلهية، إلى أن ضمت رفاته الشريفة، وفازت بشرف بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، كما فازت مكة ببيت الله الحرام، ويأبى الله إلا أن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فإن تلك النواحى من عبر هجرة الرسول الكريم وفراره بعقيدته، توضح لنا كيف جاهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام الذين أخلصوا نفوسهم لله، في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ويجب أن يكون لنا من هذا درس نتخذه مبدأ أعلى للوصول إلى غاياتنا وتحقيق أهدافنا، ما دامت في سبيل الله، وفي سبيل إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ألا فليكن للمسلمين عبرة من تاريخ رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم، من دروسه في تحمل المشاق في سبيل عقيدتهم، وليعلموا أن عقيدتهم التي فرّطوا فيها ليست رخيصة القيمة.

 

وإنما بُذل فى سبيلها دماء ذكية، ونفوس أبيّة، وقلوب طاهرة، ورؤوس شامخة، فعليهم أن يحرصوا عليها، ويستمسكوا بها، ويدفعوا عنها من يريدها بسوء، أو يكيد لها بشر، وليعلموا أن أى شيءٍ فى هذه الحياة لن ينال بسهولة، وبقدر الجهد وبذل التعب، يكون الجزاء والثمن، وليس للكسالى إلا الخسار والدمار، والذل والعار، فلما أراد الله تعالى أن يُظهر دينه وينصر نبيه، جاء وفد من أهل المدينة إلى الحج، فلقيهم رسول الله صلى الله عله وسلم عند العقبة، فقال لهم “من أنتم؟ قالوا نفر من الخزرج، قال “أمن موالى يهود؟ قالوا نعم، ثم عرض عليهم الإسلام فأسلموا، فلما عادوا إلى المدينة نشروا الإسلام فيها، ثم تمت بيعة العقبة الأولى والثانية فيما بعد، وقد بين النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فى سنته النبويه الشريفه أنواع الجهاد بمفهومه الشامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى