مقال

الدكروري يكتب عن المداومة علي الطاعة ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المداومة علي الطاعة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع المداومة علي الطاعة، لقد كنا نعيش رمضان بخيراته وبركاته، ونسعد بقيام ليله وصيام نهاره، ونفرح بتنافس المؤمنين فيه على الخيرات، واجتماعهم على الصلوات، وإمساكهم عن المعاصي والمنكرات، فما إن دخل هذا الشهر المبارك حتى ظلل المجتمع المسلم جو من الطهارة والنظافة، والخشية والإيمان، والإقبال على الخير وصالح الأعمال، وعم فيه انتشار الفضائل والحسنات، وكسدت سوق الفواحش والمنكرات، واعترى أهلها الخجل من اقترافها، أو على الأقل من المجاهرة بها وإعلانها، فكان للمتقين روضة وأنسا، وللغافلين قيدا وحبسا، وكانت المساجد فيه عامرة، والقلوب خاشعة، والأكف ضارعة، والنفوس زاكية، والألسنة بذكر الله لاهجة، أما اليوم فقد انقضت تلك الأيام، وتم الصيام والقيام، وانطفأت تلك المصابيح، وانقطع اجتماعنا لصلاة التراويح.

 

ورجعنا إلى العادة، وفارقنا شهر الطاعة والعبادة، فسلام الله على تلك الأيام، وسلام الله على شهر الصيام والقيام، في ذمة الله يا شهر التلاوة والتسبيح، وفى دعة الله يا شهر التهجد والتراويح، وفي أمان الله يا شهر العبادة والإيمان الصحيح، ويا شهر المنافسة والمتجر الربيح، ويا شهرا يجود فيه حتى الشحيح، ويجتهد فيه حتى الكسيح، فسلام من الرحمن كل أوان، على خير شهر، قـد مضى وزمان، وسلام على شهر الصيام فإنه، أمان من الرحمن كل أمان وإن لنا فيما مضى من أعمارنا عبرا، وفيما قدمنا من الأعمال عظة وذكرى، فما منا من أحد إلا وقد فعل خيرا وشرا، وأسلف معروفا ومنكرا، وخلط عملا صالحا وآخر سيئا، فلنقارن بين ما كان منا من سيئات وحسنات، ولننظر مقدار الربح في هذا، والخسارة في ذاك، لندرك فضل الطاعة على المعصية، وحسن عواقب الطاعة في الدنيا والآخرة.

 

أما الطاعة فقد ذهب تعبها ومشقتها، وثبت عند الله أجرها وذخرها، وسيجدها صاحبها أحوج ما يكون إليها “يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا” سيجدها مؤنسا له في قبره، وظلا له يوم حشره، وسببا لفوزه برضوان الله تعالى وجنته فيقول تعالى “ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون” ويقول تعالى “كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية” وهذا جزاء المطيع في الآخرة، أما في الدنيا فإن له الحياة الطيبة، والطمأنينة الكاملة، والعيشة الهنية، والسعادة الحقيقية، وسيجد من توفيق الله له وإعانته، وتسديده وهدايته، وحفظه وحراسته، وإعزازه وإكرامه، وتيسير أموره، وتوسيع رزقه، وطرح القبول له فى الأرض، والمحبة في قلوب الخلق، ما هو من أعظم العون له في أمور دينه ودنياه، مع ما يشعر به من لذة الانتصار على النفس والشيطان، وحلاوة القرب من الرحمن.

 

والشعور بأنه لن يغلب والله نصيره، ولن يخذل والله ظهيره، ولن يشقى والله مسعده ومعينه، ولن يضل والله هاديه ودليله، كما قال تعالى فى كتابه الكريم ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” وقال تعالى ” ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم” وهذه هي المعية الخاصة، والولاية الخاصة، التي تقتضي النصر والتأييد، والهداية والتسديد، والتوفيق والإعانة، وللمؤمن من هذه الولاية الخاصة، والمعية الخاصة بقدر طاعته لربه، وإحسانه في القيام بحقوق الله تعالى وحقوق خلقه أما المعصية فإن فاعلها قد يجد لذة حين اقترافها، ولكنه ينسى أنها لذة موقوتة، وأن لها شؤما عظيما، وضررا كبيرا، يلحقه في دنياه وآخرته، أما فى الدنيا، فإنه يجد من الآلام والحسرات، ومن ضيق الصدر ونكد العيش، والتنغيص والتكدير، والقلق والاضطراب.

 

وقلة التوفيق، وتعسير أموره عليه، ومن الذلة والمهانة، وانحطاط القدر وسقوط المنزلة، وظلمة القلب وسواد الوجه، وحرمان العلم والرزق، أضعاف أضعاف ما وجده من تلك اللذة، هذا فضلا عما قد يصيبه في الدنيا من العار والفضيحة، أو الآفات السماوية، أو العقوبة على تلك المعصية بحد أو تعزير، ولله در القائل تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام، ويبقى الخزى والعار، وتبقى عواقب سوء فى مغبتها لا خير في لذة، من بعدها النار، ولذا قال الله سبحانه وتعالى محذرا وناصحا عباده ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم” أى فليخش أولئك المحادون لله تعالى بالطغيان، والمبارزون له بالعصيان، أن تصيبهم فتنة، أى زيغ في قلوبهم، وضلال عن الحق، وعماية بعد الهداية، لأنهم لم يشكروا نعمة الإيمان، ولم يرعوها حق رعايتها، فلا يأمنوا أن تسلب منهم هذه النعمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى