غير مصنف

الدكروري يكتب عن الصانع المتقن ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الصانع المتقن ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولما اجتمع المسلمون للتشاور في أمر الأذان، وتحيروا ماذا يختارون ليكون وسيلة يعلموا بها ميقات الصلاة، رأى عبدالله بن زيد في منامه رجلا، فأملى عليه هذا الرجل ألفاظ الأذان، فهذا عبدالله بن زيد رضي الله عنه قد رأى رؤيا الأذان، وهو أحفظ الناس لألفاظها، ومع ذلك يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمها لبلال ليُؤذن بها، لماذا؟ لأن بلالا أندى صوتا، إذن هو أتقن وأحسن أداء لها من غيره، وهذا يدل على تقديم الإسلام للمتقنين المحسنين على غيرهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتقي لأداء العمل أشد أصحابه إتقانا لهذا العمل، ويغض الطرف عن مقومات أخرى ليست أساسية في العمل المطلوب، فلما أسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه أمّره النبي على سريّة ذات السلاسل، وفيها من كبار الصحابة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى ظن عمرو رضي الله عنه.

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدمه لمحبته له أكثر من غيره، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فبيّن له النبي صلى الله عليه وسلم منازل الصحابة رضوان الله عليهم، وقد ظهر في هذه الغزوة ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قدّمه لعلمه بالحرب وإتقانه لإدارة شؤونها، فهذا رجل قد أسلم حديثا، فليس له في الإسلام سابقة تؤهله لأن يتولى القيادة، لكن الذي أهّله لتولي هذا المنصب إنما هو علمه وإتقانه لأمور الحرب، وهكذا تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم إنما كان يقوم على اختيار المتقن المحسن للأمر الذى يُختار له، ولمّا جاء وفد تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا جئناك نفاخرك، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخطيبهم أن يقول، فلما انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس.

 

“قم فأجب الرجل في خطبته” ثم قالوا يا محمد، ائذن لشاعرنا، فأذن له، فقام فأنشد، فلما انتهى بعث رسول الله إلى حسان وكان غائبا، فلما جاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “قم يا حسان، فأجب الرجل فيما قال” فقام حسان فأنشد، فلما انتهى، قال الأقرع بن حابس وأبي إن هذا الرجل لمؤتي له لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلي من أصواتنا، فاستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لثابت وحسان إنما كان لأنهم أتقن لهذا الأمر من غيرهم، وإلا ففي الصحابة رضوان الله عليهم الكثير من الخطباء والشعراء، لكن لثابت وحسان من الإتقان ما يجعل المنافر والمفاخر يُسلم ويذعن بالفضل والسبق للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكن حض النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه قاصرا على القول فقط، بل طبّق النبي صلى الله عليه وسلم الإتقان عمليا.

 

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ” تنح حتي أريك” فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتي توارت إلي الإبط” رواه أبي داود، فهنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يمر بصبي لا يُحسن سلخ الشاة، فيعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الإتقان عمليا، ولم يكتفي النبي صلى الله عليه وسلم بالقول، وإنما أضاف إلى ذلك الفعل، فانظروا عباد الله إلى ما وصلنا إليه وما آل إليه حال الأمة من ضعف وهوان مرد ذلك كله أن الأمة فقدت الإتقان في جميع مناحي الحياة سواء الدينة أو الدنيوية أو الأخروية، إن اتقان العمل هو أداء العمل دون خلل فيه والالتزام بمتطلبات ذلك العمل من التقيد بضوابط وتقنيات معينة، وأداؤه في الوقت المحدد دون تأخير، وإن الإتقان هي صفة من صفات رب الأرض والسماء.

 

فهو الذي أتقن كل شيء خلقة وأحسن كل شيء أبدعه فقال الله تعالى في سورة النمل ” صنع الله الذي أتقن كل شيء” فأحسنه وجوده وأتقنه، والذي يتأمل إتقان الله تعالى لمخلوقاته وكيف انه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى لهتف لا إله الا الله، فقيل أن رجلا وابنه كانا تحت نخلة في بستان فاراد الولد أن يجادل أباه فقال له يا أبتي انظر إلى هذه النبتة الصغيرة وكانت نبتة البطيخ، فإنها تثمر ثمرة كبيرة جدا بينما هذه النخلة على طولها ثمرتها صغيرة، ولا نسبة بينها وبين البطيخة، وكان المفروض أو المعقول أن تكون ثمرة النخلة في عظم البطيخة لتتناسب مع حجم الشجرة، بينما تكون ثمرة نبات البطيخ في حجم التمرة، فقال له يا بني لعل لله حكمة لا نعرفها، ثم استلقى الفتى على ظهره ليستريح واستلقى أبوه إلى جواره، وما إن غفت عين الفتى قليلا حتى سقطت من أعلى النخلة تمرة فأصابت وجهه وآلمته وصاح من أثر ذلك، فقال له أبوه ماذا بك؟ فقال تمرة من فوق النخلة أصابتني فقال الوالد يا بني احمد الله أنها لم تكن بطيخة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى