مقال

الدكروري يكتب عن سر نهضة الأمم “جزء 4”

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن سر نهضة الأمم “جزء 4”

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ومن أروع ما جاء في القرآن قوله تعالى ” قل إنما أعظكم بواحدة، أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا” ومعناه أنه لا يطلب منهم إلا خصلة واحدة، وهي أن يتوجهوا بعقولهم وقلوبهم إلى الله الذى يؤمنون به، وبخالقيته للكون وتدبيره لأمره، مخلصين في طلب الهداية إلى الحقيقة، بعيدا عن تأثير العقل الجمعي، وعن الخوف من الناس أو المجاملة لهم، كل فرد مع صديقه ممن يثق به، ويطمئن إليه، أو يفكر وحده، وهو معنى قوله تعالى “مثنى وفرادى” ثم يتفكروا في أمر النبوة، وسيهديهم فكرهم الحر إلى الحق، وقد اعتبر علماء الإسلام أن العقل مناط التكليف، ومحور الثواب والعقاب، كما قرروا أن العقل أساس النقل، إذ لو لم يثبت وجود الله بالعقل، ما ثبت الوحي، فالعقل هو الذى يثبت النبوة، ويثبت صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالعقل، ما ثبت الوحي، فالعقل هو الذي يثبت النبوة، ويثبت صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالعقل، ما ثبت الوحي.

 

فالعقل هو الذي يثبت النبوة، ويثبت صدق النبي صلى الله عليه وسلم، عن طريق المعجزة الدالة على صدقه دلالة عقلية، ثم بعد ذلك يعزل العقل نفسه، ليتلقى عن الوحي الذي هو سلطة أعلى منه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى العقل نظرة كلها تعظيم وإجلال، فقد رأى فيه أنه أصل الدين وأساسه، وأنه لا دين لمن لا عقل له، فقد روى أنس بن مالك فقال “أثني على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، فقال كيف عقله؟ قالوا يا رسول الله إن من عبادته كذا، وإن من خلقه كذا، وإن من فضله كذا، وإن من أدبه كذا، فقال صلى الله عليه وسلم كيف عقله؟ قالوا يا رسول الله نثني عليه بالعبادة وتسألنا عن عقله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأحمق العابد يصيب بجهله أعظم من فجور الفاجر، وإنما الناس من ربهم على قدر عقولهم” وحكى الأصمعي رحمه الله قال قلت لغلام حدث من أولاد العرب.

 

كان يحادثني فأمتعني بفصاحة وملاحة أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم، وأنت أحمق؟ قال لا والله، قال فقلت ولم؟ قال أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى علي حمقي، فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج بفرط ذكائه، واستنبط بجودة قريحته ما لعله يدق على من هو أكبر منه سنا، وأكثر تجربة، والعقل أصل في الدين ، إلا أن العقل، ويختلف من إنسان إلى آخر ، فهناك العقل الصريح، والعقل التبريرى، والعقل المرتبط بالأهواء والمصالح، وهذا الجهاز الخطير الذي أودعه الله فينا يجب أن يتوافق مع الشرع مائة بالمائة، ذلك أن الشرع من عند الله، هو النقل، والعقل مقياس أودعه الله فينا، والنقل من عند الله، والفرعان إذا اتحدا في أصل واحد فهما متساويان، وهل يعقل أن يعطنا الله مقياسا لو أعملناه في وحيه، لوجدناه غير صحيح ؟ مستحيل، لأن العقل من صنع الله، والنقل وحي الله، إذا لابد من التوافق.

 

لذلك قال بعض أهل العلم، اعلم أن لكل فضيلة أسا، ولكل أدب ينبوعا، وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل، يعني إنسان مخلوق في دنيا محدودة، أما هو يعد لحياة أبدية، فالعقل يقتضي أن تتنعم في هذه الحياة الدنيا وتخسر الآخرة أم أن تتنعم إلى أبد الآبدين في جنة الله عز وجل، فالعقل يقتضي أن تعمل للآخرة، لذلك العلماء قالوا ما من إنسان يعمل للدنيا وينسى الآخرة إلا وهو في الحقيقة مجنون، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، تفوقه العلمي يسمى ذكاء ولا يسمى عقلا، ولكن حينما غفل عن الحقيقة الكبرى في الكون، وغفل عن الآخرة ، وغفل عن سر وجوده إذن هو مجنون والآية الكريمة تقول ” ن والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون” فأنت أعقل العقلاء صلى الله عليه وسلم، لذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مجنونا في الطريق سأل أصحابه سؤال العارف، من هذا ؟ قالوا هذا مجنون، قال لا هذا مبتلى.

 

فالمجنون من عصى الله عز وجل، ويجب أن تؤمن، وأن تعتقد بكل ذرة في كيانك، أن هذا الذي لا يصلي، ولا يتعرف إلى الله تعالى، وهو غارق في المعاصي والآثام مجنون، ولو كان يحمل أعلى شهادة، وأن هذا الذي يغتصب أموال الناس هو يتوهم نفسه شاطرا ذكيا، لا، هو أحمق لأنه سوف يسأل عن كل ذرة، فقال تعالى “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” فقيل أن العقل الذي جعله الله للدين أصلا وللدنيا عمادا، إنسان عاقل يعيش حياة هادئة، حياة فيها سلامة، فيها سعادة، أنه أخذ ما له، وترك ما ليس له، تحرك بحجمه، بنى علاقاته بوضوح، فالناس أحبوه وكسب مال حلال، وأسس أسرة، وربا أولاده، وتجد إنسان استعمل عقله في الآخرة فكسبها، واستعمل عقله في الدنيا فربحها، فقيل أنه قد جعله الله تعالى للدين أصلا ولدنيا عمادا، وقد قيل أن العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى