مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العريف ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العريف ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقال ابن مسدي ابن العريف ممن ضرب عليه الكمال رواق التعريف فأشرقت بأضرابه البلاد وشرقت به جماعة الحساد حتى لسعوا به إلى سلطان عصره وخوفوه من عاقبة أمره لاشتمال القلوب عليه وانضواء الغرباء إليه، فغرب إلى مراكش، فيقال إنه سم وتوفي شهيدا وكان لما احتمل إلى مراكش استوحش فغرق في البحر جميع مؤلفاته، فلم يبق منها إلا ما كتب منها عنه، وروى عنه أبو بكر بن الرزق الحافظ، وأبو محمد بن ذي النون، وأبو العباس الأندرشي ولبس منه الخرقة وصحب جدي الزاهد موسى بن مسدي، ولعله آخر من بقي من أصحابه، ومن مؤلفات ابن عريف هو كتاب محاسن المجالس، ومطالع الأنوار ومنابع الأسرار، ومفتاح السعادة لأهل الإرادة في الطهور، والكسوة للحضرة الرفيعة، ,مفتاح السعادة وتحقيق طريق السعادة، ومن المحتمل أن تكون لابن العريف تآليف أخرى لكنها فقدت عندما ألقي بكتبه في البحر عقب ترحيله إلى المغرب.

 

وكما أنه لا تتطرق المصادر إلى الحديث عن تصوف ابن العريف إلا بعض الشذرات المقتضبة والتي تشير إلى شيوخه الذين أخذ عنهم، فالذهبي مثلا في سيره يذكر أنه اختص بصحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بريال والصحبة في الاصطلاح الصوفي لها مدلولها حيث لبس الخرقة على يديه عن أبي عمر الطلمنكي عن أبي جعفر أحمد بن عون الله القرطبي، ومن الملاحظ أن ابن العريف قد سلك هذا الطريق في مرحلة الشباب وذلك على ما يبدو راجع إلى تأثره بالجو السائد آنذاك في المرية، والتي كانت مركزا مهما للدراسات الصوفية، إذ يمتد سنده الصوفي في سلسلة طويلة حتى يصل إلى الحسن البصري، ولقد كانت لابن العريف طريقته المميزة في التصوف، أساسها الالتزام بمذهب أهل السنة والجماعة، وهذا راجع لتأثره بشيوخه الذين أخذ عنهم، والذين تميزوا بورعهم وزهدهم واعتدالهم، فجاء ابن العريف أنموذجا للصوفي الأندلسي.

 

المالكي المذهب الورع، الزاهد، وتتلخص حقيقة مذهبه الصوفي في الزهد في كل شيء بما في ذلك الزهد في منازل الصوفية والعطايا والمواهب الإلهية والكرامات، وما إليها من المنن التـي يهبها االله للنفس الإنسانية، والشيء الملاحظ على تصوفه أنه كان ينحو منحى باطني وذلك راجع إلى تأثره بالثقافة الفلسفية الإشراقية التي كانت رائجة في بيئته لا سيما ما يتعلق منها بفلسفة ابن مسرة وتلميذه الرعيني الصوفي بالنسبة له الفناء في الله، فالعارف يفنى عن نفسه ليبقى بربه، ومجمل القول أن ابن العريف كان معتدل في أفكاره وتصوفه، إذ ضمن كتابه “محاسن المجالس” مذهبه الصوفي وحاول تحليل بعض المقامات والأحوال الصوفية، وابن العريف أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله، قد صحب أبا علي بن سكرة الصدفي وأبا الحسن البرجي ومحمد بن الحسن اللمغاني وأبا الحسن بن شفيع المقرئ وخلف بن محمد العريبي.

 

وعبد القادر بن محمد الصدفي ، وأبا خالد المعتصم وأبا بكر بن الفصيح، واختص بصحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بريال ومحمد بن يحيى بن الفراء ، وبأبي عمر أحمد بن مروان بن اليمنالش الزاهد، وقال ابن بشكوال روى عن أبي خالد يزيد مولى المعتصم وأبي بكر عمر بن رزق وعبد القادر بن محمد القروي وخلف بن محمد بن العربي وسمع من جماعة من شيوخنا وكانت عنده مشاركة في أشياء من العلم وعناية بالقراءات وجمع الروايات واهتمام بطرقها وحملتها وقد استجاز منى تأليفي هذا وكتبه عني واستجزته أنا فيما عنده ولم ألقه وكاتبني مرات وكان متناهيا في الفضل والدين منقطعا إلى الخير وكان العباد والزهاد يقصدونه ويألفونه ويحمدون صحبته وسعي به إلى السلطان فأمر بإشخاصه إلى حضرته بمراكش فوصلها وتوفي بها، وقلت في تاريخي إن مولد ابن العريف في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ولا يصح.

 

وكان الناس قد ازدحموا عليه يسمعون كلامه ومواعظه فخاف ابن تاشفين سلطان الوقت من ظهوره وظن أنه من أنموذج ابن تومرت فيقال إنه قتله سرا فسقاه والله أعلم، وقد قرأ بالروايات على اثنين من بقايا أصحاب أبي عمرو الداني ولبس الخرقة من أبي بكر عبد الباقي المذكور آخر أصحاب أبي عمر الطلمنكي وفاة، وهكذا عاش ابن العريف في الأندلس وتكلم بلغة أهلها، ومن أقوال ابن العريف ” ولولا فتنة النفس لارتفعت الحجب ولولا العلائق لانكشفت الحقائق ولولا العلل لبرزت القدرة ولولا الطمع لرسخت المحبة ولولا توهم العبد لشوهد الرب” وهذا كلام صوفي، كما قال ” بدا لك سرّ طال عنك اكتتامه ولاح صباح كنت أنت ظلامُه فأنت حجاب القلب عن شر غيبة ولولاك لم يطبع عليك ختامُه فإن غيت عنه حلَّ فيه وطنبت على منكب الكشف المصون خيامه وجاء حديث لا يُمل سماعه شهي إلينا نثره ونظامه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى