مقال

الدكروري يكتب عن رأس كل خير” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن رأس كل خير” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فمن اتقى الله جعل له مخرجا من مضائق الدنيا ومضائق الآخرة، والإنسان في أشد الحاجة، بل في أشد الضرورة إلى الأسباب التي تخلصه من المضائق في الدنيا والآخرة، ولكنه في الآخرة أشد حاجة وأعظم ضرورة، وأعظم الكربات وأعظم المضائق كربات يوم القيامة، وشدائدها، فمن اتقى الله في هذه الدار فرج الله عنه كربات يوم القيامة، وفاز بالسعادة والنجاة في ذلك اليوم العظيم العصيب، فمن وقع في كربة من الكربات فعليه أن يتقي الله في جميع الأمور، حتى يفوز بالفرج والتيسير، فالتقوى باب لتفريج كربة العسر وكربة الفقر وكربة الظلم وكربة الجهل وكربة السيئات والمعاصي وكربة الشرك والكفر إلى غير ذلك، فدواء هذه الأمور وغيرها أن يتقي الله بترك الأمور التي حرمها الله ورسوله، وبالتعلم والتفقه في الدين حتى يسلم من داء الجهل، وبالحذر من المعاصي والسيئات حتى يسلم من عواقبها في الدنيا والآخرة، فالسيئات لها عواقب في الدنيا من عقوبات قدرية.

 

أو عقوبات شرعية، من الحدود والتعزيرات والقصاص، ولها عقوبات في الآخرة، أولها عذاب القبر، ثم بعد الخروج من المقابر بعد البعث والنشور عقوبات وشدائد يوم القيامة، ومن عقوباتها أيضا أن الإنسان يخف ميزانه بسبب إضاعة التقوى ويرجح ميزانه بسبب استقامته على التقوى، ويعطى كتابه بيمينه إذا استقام على التقوى، وبشماله إذا انحرف عن التقوى، ويدعى إلى الجنة إذا استقام على التقوى، ويساق إلى النار إذا ضيع التقوى، وخالف التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله، والإنسان محتاج أيضا إلى الرزق الحلال الطيب في هذه الدار، وإلى النعيم المقيم في الآخرة، وهو أحسن نعيم وأعظم النعيم ولا نعيم فوقه، ولا طريق إلى ذلك ولا سبيل إلا بالتقوى، فمن أراد عز الدنيا والرزق الحلال فيها، والنعيم في الآخرة، فعليه بالتقوى، والإنسان محتاج إلى العلم، والبصيرة والهدى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقوى، كما قال الله عز وجل في سورة الأنفال ” يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا”

 

والفرقان كما قال أهل العلم هو النور الذي يفصل به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال والاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، وبذلك يحصل النور والهدى، وهما الفرقان، فالتقوى كلمة جامعة حقيقتها الإيمان والعمل الصالح ولا يخفى على من تأمل أن الاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، فالتقوى حقيقتها إيمان صادق بالله ورسوله، وبما أخبرت به الرسل عما كان وعما يكون، ثم عمل صالح وهو مقتضى الإيمان وموجبه، ومن ذلك التعلم والتفقه في الدين وهما من التقوى ولذلك رتب الله تعالي على التقوى الفرقان، لأن من شعبها التعلم والتفقه في الدين والتبصر في ما جاء به الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، فالإنسان قد تضيق أمامه الدروب وتسد في وجهه الأبواب في بعض حاجاته، فالتقوى هي المفتاح لهذه المضائق وهي سبب التيسير لها، كما قال الله عز وجل في سورة الطلاق ” ومن يتقي الله يجعل له من أمره يسرا”

 

وقد قام السلف الصالح وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، كما قام قبلهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله تعالي لهداية البشر، وحصلوا بالتقوى على كل خير، وفتحوا بها باب السعادة وانتصروا بها على الأعداء، وفتحوا بها القلوب، وهدوا بها البشرية إلى الصراط المستقيم، وإنما حصلت لهم القيادة للأمم والذكر الجميل والفتوحات المتتابعة بسبب تقواهم لله، وقيامهم بأمره، وانتصارهم لدينه، وجمع كلمتهم على توحيده وطاعته، كما أن الناس في أشد الحاجة إلى تكفير السيئات وحط الخطايا وغفران الذنوب وسبيل هذا هو التقوى، وإن من أعظم الأجر هو الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهكذا المسلمون في أشد الحاجة إلى النصر على أعدائهم والسلامة من مكايد الأعداء ولا سبيل إلى هذا إلا بالتقوى، كما قال الله عز وجل في سورة آل عمران ” وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط” فالمسلمون إذا صبروا في طاعة الله وفي جهاد أعدائه.

 

واتقوا ربهم في ذلك بإعداد العدة المستطاعة البدنية والمالية والزراعية والسلاحية وغير ذلك، نصروا على عدوهم لأن هذا كله من تقوى الله، ومن أهم ذلك إعداد العدة المستطاعة من جميع الوجوه، كالتدريب البدني والمهني والتدريب على أنواع الأسلحة، ومن ذلك إعداد المال وتشجيع الزراعة والصناعة وغير ذلك مما يستعان به على الجهاد، والاستغناء عما لدى الأعداء، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه وتعالي كما جاء في سورة الأنفال ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” ولا يتم ذلك إلا بالصبر، والصبر من أعظم شعب التقوى وعطفها عليه في قوله سبحانه ” وإن تصبروا وتتقوا” وهو من عطف العام على الخاص، فلابد من صبر في جهاد الأعداء، ولابد من صبر في الرباط في الثغور، ولابد من صبر في إعداد المستطاع من الزاد والبدن القوي المدرب، كما أنه لابد من الصبر في إعداد الأسلحة المستطاعة التي تماثل سلاح العدو أو تفوقه حسب الإمكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى