مقال

الدكروري يكتب عن الرسول ما بين الحصار والخروج ” جزء 7″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الرسول ما بين الحصار والخروج ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

وكانت الهجرة إلى الحبشة تدريبا عمليا على ترك الأهل، والوطن، ونلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يسارع بالانتقال إلى الأنصار من الأيام الأولى وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين حتى تأكد من وجود القاعدة الواسعة نسبيا، كما كان في الوقت نفسه يتم إعدادها في أجواء القرآن الكريم، وخاصة بعد انتقال مصعب رضي الله عنه إلى المدينة، وقد تأكد أن الاستعداد لدى الأنصار قد بلغ كماله، وذلك بطلبهم هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إليهم، كما كانت المناقشات التي جرت في بيعة العقبة الثانية، تؤكد الحرص الشديد من الأنصار على تأكيد البيعة، والاستيثاق للنبي صلى الله عليه وسلم بأقوى المواثيق على أنفسهم، وكان في رغبتهم أن يميلوا على أهل منى ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسيافهم لو أذن الرسول الكريم بذلك، ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم “لم نؤمر بذلك” وهكذا تم الإعداد لأهل يثرب ليكونوا قادرين على استقبال المهاجرين.

 

وما يترتب على ذلك من تبعات، وقد ورد الأمر بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وكأنه تهيئة للنفوس للمرحلة القادمة التي سيكون بين المسلمين وبين أهل الكتاب فيها احتكاك، فلا يكونون البادئين بالشدة، فيأتي التنبيه على هذا الأمر، وكذلك تهيئة النفوس للهجرة في أرض الله الواسعة، وربما كانت المدينة قد بدأت تستقبل المهاجرين من المؤمنين بعد بيعة العقبة الأولى، ومهما كان الأمر، وأنى كان وقت نزول سورة العنكبوت فإن الإشارة واضحة، والحث على الهجرة أيضا واضح ببيان تكفل الله الرزق للعباد في أي أرض، وفي أي زمان، فقال تعالى ” يا عبادى الذين آمنوا إن أرضى واسعه فإياى فاعبدون” وهذه الآية الكريمة نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه، وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب، بل الصواب أن يتلمس عبادة الله في أرضه مع صالحي عباده أي إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان بها.

 

فهاجروا إلى المدينة فإنها واسعة لإظهار التوحيد بها، ثم أخبرهم الله تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة معينة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا، وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر، وأوسع، وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار، والأمصار، ولهذا قال تعالى فى سورة العنكبوت ” وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم” وكما ذكرهم الله تعالى أن كل نفس واجدة مرارة الموت، فقال سبحانه وتعالى ” كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون” أي واجدة مرارته، وكربه، كما يجد الذائق طعم المذوق، ومعناه إنكم ميتون، فواصلون إلى الجزاء، ومن كانت هذه عاقبته لم يكن له بد من التزود لها، والاستعداد بجهده، وهذا تشجيع للنفس على الهجرة لأن النفس إذا تيقّنت بالموت سهل عليها مفارقة وطنها، وقال ابن كثير في الآية أي أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله، وحيث أمركم الله فهو خير لكم.

 

فإن الموت لابد منه، ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب، ولهذا قال الله تعالى فى سورة العنكبوت ” والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون” أي صبروا على دينهم، وهاجروا إلى الله، ونابزوا الأعداء، وفارقوا الأهل، والأقرباء ابتغاء وجه الله، ورجاء ما عنده، وتصديق موعوده، ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله عز وجل، ولما بايعت طلائع الخير، ومواكب النور من أهل يثرب النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، والدفاع عنه ثارت ثائرة المشركين، فازدادوا إيذاء للمسلمين، فأذن النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وكان المقصود من الهجرة إلى المدينة، إقامة الدولة الإسلامية التي تحمل الدعوة، وتجاهد في سبيلها حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.

 

وكان التوجيه إلى المدينة من الله تعالى، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله له منعة، وقوما أهل حرب، وعدة، ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه، وتعبثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم، والأذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال ” قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرّتان ولو كانت السراة أرض نخل، وسباخ لقلت هي، هي” رواه البخاري، ثم مكث أياما، ثم خرج إلى أصحابه مسرورا فقال “قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها” فجعل القوم يتجهون، ويتوافقون ويتواسون، ويخرجون، ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو سلمة بن عبد الأسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى