القصة والأدب

يوسف الصديق وإدارة الذات الجزء الثالث

جريدة الاضواء

يوسف الصديق وإدارة الذات الجزء الثالث

 

بقلم د/مصطفى النجار

 

لقد ارتقى يوسف فى إدارة ذاته مرتقا عزيزا ، يندر تكراره على مر التاريخ البشرى ، فقد بلغ من المهارة فى إدارة ذاته مقاما رفيعا وقمة سامية.

 

مقاما رفيعا مكنه الخروج أكثر قوة وصلابة من كل ما كابده من محن الشدة ، وقمة سامية اجتازت به ابتلاءات الرخاء سليم القلب نقى السريرة ، ممسكا بزمام نفسه ، مسيطرا عليها مديرا لها وفق ما يؤمن به ، على النحو الذى يرضى الخالق تمام الرضى.

إن يوسف الصديق النموذج الفريد فى إدارة الذات ، النبى الكريم بن الكريم ، عليه وعلى سيدنا من الله السلام ، كان عبقريا منذ نعومة أظافره ، حين رأى رؤياه النورانية المدهشة ، أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين.

 

لم يقصها على أخوة غير أشقاء تأكل الغيرة قلوبهم ، ليضرم غيرتهم اشتعالا فوق اشتعال ، وما قصها على صديق منافس ، ولا جار مشاحن ، ولا زميل مقارن حسود ، إنما أخذت الحكمة أقدامه للمحب الوفى والقلب الكبير ، والده الحنون ، النبى الكريم يعقوب عليه السلام ، وتلك عبقرية طفولية نبوية أخآذة ، ورشد ذاتى ناضج ، يغرد فى السماء بأن الحكمة والرشد فى إدارة الذات قد امتزجت بدماء ذاك النبى الصبى ، الذى أخذت معتقداته الصحيحة بقلبه لمشاعر قادته لسلوك يفيض رشدا وحكمة.

 

إن يوسف لم تجره الرغبة فى التعالى والتباهى على إخوته أن يقصهم رؤياه ، ولم ينزعه إحساسه بالتميز عليهم أن يجعل مما رأى وسيلة ليشهدوا له ، لقد أدرك بعبقريته ومن خلال طبيعة علاقتة بإخوته أن الحسد والكيد حصاده الوحيد إذا علموا ، وذلك ما أكده الوالد الحكيم ” قال يا بنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ” (يوسف – 5 ) ، فقد تعصبوا عليه وعلى أخيه الشقيق لمجرد أنهم لأم أخرى.

 

إن تصورنا للآباء وملامح رؤيتنا لهم يشكل إلى حد بعيد مشاعرنا نحوهم ، تلك المشاعر التى ينبثق من خلالها السلوك ، وبقدر صحة التصور تكون سلامة المشاعر والسلوك.

 

إن الصورة التى احتفظ بها يوسف فى نفسه لأبيه هى ما جعلته يفضى إليه بما رأى ، و صورة إخوته فى المقابل هى ما جعلته يكتم عنهم ، تلك التصورات التى رسمها سلوك الطرفين فى نفسه ، فقد رأى عاطفة أبوية متدفقة بالحنان والحب والرعاية ، بينما رأى من الأخوة تناجيا دونه وتحزبا عليه.

 

إن معتقداتنا عن المحيطين بنا وصورتهم فى نفوسنا يجب أن يرسمها سلوكهم دون أقوالهم ، وبقدر مطابقة تلك الصورة لواقع سلوكهم تكون سلامة إدارتنا لذواتنا عند التفاعل والتعامل ، وبقدر صحة تلك الصورة بقدر ملائمة سلوكنا لما يجب أن يكون.

 

إن الخلل الذى يحدث فى السلوك لابد وأن يسبقة – – – ونكمل إن شاء الله فى الجزء الرابع.

 

تحياتى وتقديرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى